للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول القائل هذا فعل هذا وفعل هذا لفظ فيه إجمال، فإنه تارة يراد بالفعل نفس الفعل وتارة يراد به مسمى المصدر. فيقول فعلت هذا أفعله فعلاً وعملت هذا أعمله عملاً، فإذا أريد بالعمل نفس الفعل الذي هو مسمى المصدر كصلاة الإنسان وصيامه ونحو ذلك فالعمل هنا المعمول، قال تعالى (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) فجعل هذه المصنوعات معمولة للجن. ومن هذا الباب قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) فإنه في أصح القولين (ما) بمعنى الذي، والمراد به ما تنحتونه من الأصنام (١) كما قال تعالى (أتبعدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون) أي والله خلقكم وخلق الأصنام التي تنحتونها. ومنه حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله خالق كل صانع وصنعته " لكن قد يستدل بالآية على أن الله خلق أفعال العباد من وجه آخر، فيقال: إذا كان خالقاً لما يعملونه من المنحوتات لزم أن يكون هو الخالق للتأليف الذي أحدثوه فيها فإنها إنما صارت أوثاناً بذلك التأليف وإلا فهي بدون ذلك ليست معمولة لهم، وإذا كان خالقاً للتأليف كان خالقاً لأفعالهم.

والمقصود أن لفظ الفعل والعمل والصنع أنواع، وذلك كلفظ البناء والخياطة والنجارة تقع على نفس مسمى المصدر وعلى المفعول وكذلك لفظ التلاوة والقراءة


(١) التنظير هنا لا محل له فإن عين الأول وإنما جاء بأول الآية لاثبات أن ما موصولة لا مصدرية، والآية من محاجة إبراهيم صلى الله عليه وسلم لقومه (قل أتعبدون ما تنحتون) وهي الأصنام (والله خلقكم وما تعملون) أي والحال أن الله خلقكم
وخلق الذي تعملونه منها فهي مخلوقة له. وإذاً يكون هو الحقيق بالعبادة وحده. ولو كانت (ما) مصدرية لكان المعنى كيف تعبدون ما تنحتون والله خلقكم وخلق عملكم، وعملهم يشمل نحت الأصنام وبشمل عبادتهم فإذا كان خلقه لعملهم يقتضي أنه لا عمل لهم يصير الكلام متناقضا ويبطل معنى الانكار عليهم، إذ يصير المعنى كيف تعبدونها وأنتم لا تعبدونها؟ إذ الله هو الذي خلق هذه العبادة الصورية لكم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>