للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا تتفرع مسألة تكليف ما لا يطاق، فإن الطاقة هي الاستطاعة وهي لفظ مجمل فالاستطاعة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي لم يكلف الله أحداً شيئاً بدونها فلا يكلف ما لا يطاق بهذا التفسير، وأما الطاقة التي لا تكون إلا مقارنة للفعل فجميع الأمر والنهي تكليف ما لا يطاق بهذا الاعتبار، فإن هذه ليست مشروطة في شيء من الأمر والنهي باتفاق المسلمين.

وكذا تنازعهم في العبد هل هو قادر على خلاف المعلوم، فإذا أريد بالقدرة القدرة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي كالاستطاعة المذكورة في قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) فكل من أمره الله ونهاه فهو مستطيع بهذا الاعتبار وإن علم أنه لا يطيعه. وإن أريد بالقدرة القدرة القدرية التي لا تكون إلا مقارنة للمفعول فمن علم أنه لا يفعل الفعل لم تكن هذه القدرة ثابتة له.

ومن هذا الباب تنازع الناس في الأمر والإرادة هل يأمر بما لا يريد أو لا يأمر إلا بما يريد. فإن الإرادة لفظ فيه إجمال، يراد بالإرادة الإرادة الكونية الشاملة لجميع الحوادث كقول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وكقوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء) وقول نوح عليه السلام (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) ولا ريب أن الله يأمر العبادة بما لا يريده بهذا التفسير، والمعنى كما قال تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) فدل على أنه لم يؤت كل نفس هداها مع أنه أمر كل نفس بهداها، وكما اتفق العلماء على أن من حلف بالله ليقضين دين غريمه غداً إن شاء الله أو ليردن وديعته أو غصبه، أو ليصلين الظهر أو العصر إن شاء الله، أو ليصومن رمضان إن شاء الله ونحو ذلك مما أمره الله به. فإنه إذا لم يفعل المحلوق عليه لا يحنث مع أن الله أمره به لقوله: إن شاء الله، فعلم أن الله لم يشأ مع أمره به.

<<  <  ج: ص:  >  >>