وأنكرت الجهمية ومن تعبهم محبته. وأول من أنكر ذلك الجعد بن درهم شيخ الجهم بن صفوان، فضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط وقال: يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه.
وهذا أصل مسئلة إبراهيم الذي جعله الله إماماً للناس قال تعالى (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما) وقال (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلا) .
ومن قال أن المراد بمحبة الله محبة التقرب إليه فقوله متناقض فإن محبة التقرب إليه تبع لمحبته. فمن أحب الله نفسه أحب التقرب إليه ومن كان لا يحبه نفسه امتنع أن يحب التقرب إليه. وأما من كان لا يطيعه ولا يمتثل أمره إلا لأجل غرض آخر فهو في الحقيقة إنما يحب ذلك الغرض الذي عمل لأجله وقد جعل طاعة الله وسيلة إليه، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ويثقل موازيننا؟ ويدخل الجنة؟ ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهو الزيادة " فأخبر أن النظر إليه أحب إليهم من كل ما يتنعمون فيه، ومحبة النظر إليه تبع لمحبته، فإنما أحبوا النظر إليه لمحبتهم إياه، وما من مؤمن إلا ويجد في قلبه محبة الله وطمأنينة بذكره وتنعماً بمعرفته ولذة وسرواً بذكره ومناجاته. وذلك يقوى ويضعف ويزيد وينقص بحسب إيمان الخلق. فكل من كان إيمانه أكمل كان تنعمه بهذا أكمل. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وغيره " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " وكان صلى الله عليه وسلم يقول " ارحنا بالصلاة يا بلال " وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.