للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عزيز. نعم يجب على كل طالب أن يسترشد بمن تقدمه، سواء أكانوا أحياء أم أمواتا، ولكن عليه أن يستعمل فكره فيما يؤثر عنهم، فإن وجده صحيحا أخذ به، وإن وجده فاسدا تركه!! والحاصل أن الفكر الصحيح يوجد بالشجاعة، والشجاعة هنا قسمان: شجاعة في رفع القيد الذي هو التقليد الأعمى، وشجاعة في وضع القيد الذي هو الميزان الصحيح الذي لا ينبغي أن يقرر رأي ولا فكر إلا بعد ما يوزن به ويظهر رجحانه، وبهذا يكون الإنسان حرا خالصا من رق الأغيار، عبدا للحق وحده"١.

ويزيد الشيخ محمد عبده على هذ التبرير العقلي، الذي يعرف للمدرسة الاعتزالية ولفلاسفة المسلمين، تبريرا آخر يشتقه من هدف الإسلام في حياة الإنسان. وهو: أن الإنسان "المختار" لبنة إيجابية في بناء الجماعة، وهو لهذا دعامة قوية لا يتواكل ولا يني في العمل والإنتاج، وذلك هو ما يقصده الإسلام في توجيهه للإنسان، لا يبغي إنسانا سلبيا متهاونا، ولا جماعة كثيرة العدد قليلة العدة كغثاء السيل، تداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وينزع الله المهابة من قلوب أعدائها! وهنا يذكر الإمام:

"صاح -الإسلام- بالعقل صيحة أزعجته من سباته، وهبت به من نومة، طال عليه فيها الغياب، وجهر بأن الإنسان لم يخلق ليقاد بالزمام، ولكنه فطر على أن يهتدي: بالعلم، وأعلام الكون، ودلائل الحوادث، فأطلق بهذا سلطان الحق من كل ما قيده، وخاصة من كل تقليد كان استعبده، ورده إلى مملكته، يقضي فيها بحكمه وحكمته"٢.

ولكنه بعد ذلك يفرق بين: مذهب "الجبر" وبين معنى "القدر". يقول في رده على هانوتو، المستشرق الفرنسي:

"اعتقد الإفرنج أنه لا فرق بين الاعتقاد بالقضاء والقدر، وبين الاعتقاد بمذهب الجبريين، القائلين بأن الإنسان مجبور محض في جميع أفعاله، وتوهموا أن المسلمين بعقيدة القضاء يرون أنفسهم كالريشة المعلقة في الهواء تقلبها الريح كيفما تميل. ومتى رسخ في نفوس قوم أنه لا اختيار لهم في قول ولا عمل ولا حركة ولا سكون، وإنما جميع ذلك بقوة


١ تاريخ الإمام: ج١ صفحة ٧٦٢, ٧٦٣.
٢ رسالة التوحيد: صفحة ١٠١, ١٠٢.

<<  <   >  >>