للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولو فرضنا أن جاهلا ضل عن الاعتراف بوجود إله صانع للعالم، فليس في إمكانه أن يتملص عن الاعتراف بتأثير الفواعل الطبيعية، والحوادث الدهرية، في الإرادات البشرية، فهل يستطيع إنسان أن يخرج بنفسه عن هذه السنة التي سنها الله في خلقه؟؟ هذا أمر يعترف به طلاب الحقائق فضلا عن الواصلين!!

"الاعتقاد بالقضاء والقدر، إذ تجرد عن شناعة الجبر يتبعه صفة الجرأة والإقدام، وخلق الشجاعة والبسالة، ويبعث على اقتحام المهالك، التي ترجف لها قلوب الأسود، وتنشق منها مرارة النمور. هذا الاعتقاد يطبع الأنفس على الثبات، واحتمال المكاره، ومقارعة الأحوال، ويحليها بحلى الجود والسخاء، ويدعوها إلى الخروج عن كل ما يعز عليها، بل يحملها على بذل الأرواح، والتخلي عن نضرة الحياة. كل هذا في سبيل الحق، الذي قد دعاها للاعتقاد بهذه العقيدة.

"والذي يعتقد بأن الأجل محدود، والرزق مكفول، والأشياء بيد الله يصرفها كما يشاء -كيف يرهب الموت في الدفاع عن حقه، وإعلاء كلمة أمته أو ملته، والقيام بما فرض الله عليه من ذلك؟ وكيف يخشى الفقر مما ينفق من ماله، في تعزيز الحق وتشييد المجد، على حسب الأوامر الإلهية، وأصول الاجتماعات البشرية؟

"امتدح الله المسلمين بهذا الاعتقاد، مع بيان فضله، في قوله الحق: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} ١.

"هذا الاعتقاد هو الذي ثبتت به أقدام بعض الأعداد القليلة منهم أمام جيوش يغص بها الفضاء، ويضيق بها بسيط الغبراء، فكشفوهم عن مواقعهم، وردوهم على أعقابهم"٢.


١ آل عمران: ١٧٣, ١٧٤.
٢ تاريخ الإمام: ج٢ ص٢٥٩ -٢٦٧.

<<  <   >  >>