أ- و"مكة" في ذات الوقت لم تكن خلاء بعيدا عن صخب العالم، وعن حركته في التعامل.. بل كانت مدينة ذات ثروة اقتصادية، ولها حركة دائبة كمركز للتوزيع التجاري بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
ب- و"سكانها" مع احتفاظهم بطابع البساطة العربية الأولية في سلوكهم ومنشآتهم، اكتسبوا معارف واسعة بالإنسان والمدن ... عن طريق تبادلهم الاقتصادي والسياسي مع العرب الرحل، ومع الرسميين من رجال الإمبراطورية الرومانية.
وهذه التجارب قد كونت في زعماء مكة ملكات عقلية، وضروبا من الفطنة وضبط النفس، لم تكن موجودة عند كثير من العرب.
جـ- ثم إن "السيادة الروحية" التي اكتسبها المكيون من قديم الزمان على العرب الرحل، زادت قوة ونموا بفضل الإشراف على عدد من "المقدسات الدينية" التي وجدت داخل مكة وبالقرب منها.
"وانطباع هذا الماضي الممتاز "لمكة"، يمكن أن نقف على أثره واضحا في كل أدوار حياة محمد ... وبتعبير إنساني: إن محمدًا نجح؛ لأنه كان واحد من المكيين!
ولكن بجانب هذا الازدهار في "مكة،" كانت هناك ناحية أخرى مظلمة خلفتها تلك الشرور المعروفة لجماعة اقتصادية ثرية، فيها فجوات واسعة من الغنى والفقر! هذه الناحية، هي ناحية الإجرام الإنساني الذي تمثل في الأرقاء والخدم، وفي الحواجز الاجتماعية، وواضح من دعوة محمد الصارخة إلى مكافحة الظلم الاجتماعي، أن هذه الناحية كانت سببا من الأسباب العميقة لثورته الداخلية "النفسية"".
فهنا يذكر المستشرق "جب" ... أن "مكة"، كانت فيها حياة زاخرة بالتجارة والسياسة والدين، وأنه وجدت فيها زعامة وزعماء، وأنه وجد ظلم اجتماعي بين سكانها.. وأن "الرسول" محمد انطبعت في نفسه كل هذه الجوانب وكان على وعي تام بها، وترى آثارها في حياته: في قرآنه وفي كفاحه إلى أن مات!
- ويرى "جب" كذلك أن ثورة الرسول النفسية لم تبرز في صورة "إصلاح اجتماعي" ولم يقم بها على أنه مصلح للحياة المكية