للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"الإسلام" -لأنه ينظم العلاقات بين الأفراد كما يقوم على الدعوة إلى الصفاء النفسي- يخرج إذن عن طبيعة "الدين"، ويدخل في مجال "الإصلاح" البشري عندهم! ومن ثم كان تنظيمه لعلاقات الأفراد بعضهم ببعض آية على بشريته في تقدير الغربيين المسيحيين.

ومن الغريب أنهم يقفون بهذا التطبيق عند حد الإسلام وحده، لا يتجاوزونه إلى "اليهودية" مثلا، فلا ينكرون عليها طبيعة "الدين" إذا ما اتخذت أساسا لقيام دولة إسرائيل، وإذا ما حاول اليهود في العالم وضع خريطة هذه الدولة وتنفيذها طبقا لتعاليم "العهد القديم"، وطبقا لما جاء في هذا العهد خاصا "بشعب الله المختار". وإذا ما حاولوا أيضا جعل اليهودية دستورا لعلاقات بعضهم ببعض داخل إسرائيل، وكذا لعلاقات هذه الدويلة بالعالم الخارجي، وبالأخص بجيرانها من العرب.

وإذن "هذه الفضلة" في رسالة الإسلام، وهي التي تتصل بعلاقات الأفراد بعضهم ببعض، كانت سببا في إخراج "الإسلام" عن طبيعة "الدين" وبالتالي كانت سببا في الحكم ببشريته من وجهة نظر الغربيين!

أما المسلمون المجددون -وهم أولئكم الذين تأثروا بالغربيين في نظرتهم إلى الحياة كلها. أو هم الذين يحاكون الغربيين لمجرد محاكاتهم فقط، وليس هنا مجددون في الشرق الإسلام لم يتأثروا بالغربيين- فبعد أن يقروا هؤلاء على نظرتهم إلى "الدين" وعلى تحديدهم لمعناه ومفهومه، يحاولون أن يجدوا تخريجا لهذه "الفضلة" في الإسلام، حتى يبقوه دينا، وحتى ينالوا في الوقت نفسه رضاء علماء الغرب عن "الإسلام" والمسلمين. لا كدين ولا كمؤمنين به، وإنما كمشاركين للغربيين في الحياة الحاضرة.

هذه "الفضلة" هي موضوع التخريج، أو هي موضوع من موضوعات التجديد في الفكر الإسلامي الحديث.

وادعاء أن الإسلام "دين لا دولة" واحد من تخريجات عدة لهذه الفضلة التي عابت الإسلام كدين، ووقفت في طريق اعتراف الغرب المسيحي المتحضر به. وترجع هذه التخريجات المتنوعة كلها أو تئول إلى شيء واحد هو: إلغاء "شخصية" الجماعة الإسلامية.

ولكي نفهم العلاقة بين هذه التخريجات أولا، ثم التقاءها عند هذا "الإلغاء" ثانيا، يجدر بنا أن نحدد شخصية "الجماعة الإسلامية" من واقع "القرآن" نفسه، تحديدا إجماليا.

<<  <   >  >>