للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا يجيب الكتاب عليه إجابة واضحة، تعبر عن الرأي الأخير له، ويعتبر النتيجة النهائية لتفكيره فيما يتصل بالإسلام.

يقول:

"ولاية الرسول على قومه: ولاية روحية، منشؤها إيمان القلب، وخضوعه خضوعا صادقا تاما، يتبعه خضوع الجسم".

"وولاية الحاكم: ولاية مادية، تعتمد إخضاع الجسم من غير أن يكون لها بالقلب اتصال".

"تلك ولاية هداية إلى الله وإرشاد إليه، وهذه الآية تدبير لمصالح الحياة وعمارة الأرض، تلك للدين.. وهذه للدنيا، تلك لله.. وهذه للناس، تلك زعامة دينية ... وهذه زعامة سياسية ... وما أبعد ما بين السياسة والدين"١.

وهذا المعنى الذي يجيب به الكتاب على سؤاله السابق، يقوم على أساس من "مثنوية" تفكير القرون الوسطى فيما يتصل بالإنسان.. وهو التفكير الذي ساد لدى الغربيين عند فصلهم بين "الكنيسة" و"الدولة".

و"مثنوية" الإنسان معناها: أن هناك "انفصالا" بين جسمه وروحه: وأنه ليس أحدهما تابعا للآخر، فضلا على أن يكونا "وحدة" واحدة!! وتفكير القرون الوسطى في المشاكل الفلسفية الإلهية والإنسانية، يستوي في التعبير عنه ما يوجد عند فلاسفة المسلمين أو فلاسفة المسيحيين من الآباء أو المدرسيين؛ لأن قوامه هنا وهناك ما خلفه الإغريق وورثوه للمسلمين والمسيحيين على السواء.

و"لإخوان الصفا" تعبير واضح عن هذه "المثنوية" ... يقولون: "اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه: بأن الإنسان لما كان هو جملة من جسد جسماني، ونفس روحانية -وهما جوهران متباينان في الصفات، متضادان في الأحوال، ومشتركان في الأفعال العارضة والصفات الزائدة- صار الإنسان من أجل جسده الجسماني مريدا للبقاء


١ المصدر السابق: ص٦٩.

<<  <   >  >>