للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الدنيا ومتمنيا للخلود فيها، ومن أجل نفسه الروحانية طالبا للدار الآخرة ومتمنيا البلوغ إليها، وهكذا أكثر أمور الإنسان وتصرف أحواله "مثنوية" متضادة: "كالحياة والممات، والعلم والجهالة"١.

وما ذكره "إخوان الصفا" هنا من رغبة الإنسان في البقاء في الدنيا، وتمنيه الدار الآخرة مع ذلك, هو ترتيب لبعض النتائج على "مثنوية" الإنسان في تفكير القرون الوسطى! وعلى هذا النحو يوزع الإنسان بين اختصاصين: هما "الكنيسة" و"الدولة"، للكنيسة روحه وللدولة جسده.. تماما كما يحكيه كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، هنا في نصه السابق.

و"مثنوية" الإنسان يعدها العلم الحديث، وهو البحث النفسي التجريبي، تصورا نظريا لا يركن إليه الرأي السليم في قيادة الإنسان وتوجيهه، والإنسان الآن -في نظر هذا البحث العلمي- وحدة واحدة لا انفصال بين جسمه ونفسه، ولذا يستحيل أن يوزع بين اختصاصين متقابلين، وسلطتين مختلفتين.. والأضمن إذن في سلامة توجيهه أن تكون قيادته واحدة.

وتجربة توزيع السلطة في الغرب بين "الكنيسة" و"الدولة" -وهو ما يعرف بالفصل بين "الدين" و"الدولة"- لم تثمر الاحتكاك بين السلطتين فقط؛ بل كان من ثمراتها إخضاع إحدى السلطتين للأخرى في النهاية، وفي واقع الأمر كان هو إخضاع "الدولة للكنيسة! فـ"الدولة" الغربية الحديثة في أوروبا وأمريكا تعتمد على النظام الديمقراطي، وهو نظام التصويت الشعبي ... وفي معركة التصويت الشعبي يتفوق الحزب السياسي الذي يبذل لتنفيذ اتجاه الكنيسة من الوعود والعهود أكثرها، إذا ما وصل إلى كرسي الحكم.

ومظهر الفصل بين السلطتين في الغرب يتجلى في فرض الضرائب وجبايتها: "فللدولة" ضرائب، و"للكنيسة" ضرائب أخرى. والسلطة التنفيذية لا تتدخل في تشريع ضرائب الكنيسة، وإنما تتدخل فقط في تحصيلها لصالح الكنيسة باسم القانون العام، أو تطبيقا للعهد بين السلطتين.


١ الرسالة السابعة من القسم الرياضي - فصل في مثنوية الإنسان ص١٦٩.

<<  <   >  >>