للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتاب "الإسلام وأصول الحكم" -بعد هذا- استمد تحديده للإسلام كـ"دين" من فكرة الفصل بين الكنيسة والدولة في الغرب، دون أن يستشري في هذا التحديد بادئ ذي بدء: مصدره الأول، وهو "القرآن" وكتاب "الخلافة"١ للمستشرق الإنجليزي "توماس أرنولد" الذي كتبه عقب الثورة الكمالية في تركيا تمجيدا لهدم الخلافة وإبعاده الإسلام عن مجالات الحياة العامة في تركيا، ومن المصادر الموجهة للكتاب الذي نحن بصدده في التجديد في الفكر الإسلامي، عند تحديد طبيعة الإسلام كدين لا دولة.

ليس في الإسلام سياسة، وما فيه من سياسة لا يتصل بالدين:

وإذا كان كتاب: "الإسلام وأصول الحكم" لا يرجع إلى القرآن في بدء الأمر عند تحديد طبيعة الإسلام، واقتنع من قبل الدخول في البحث بما حدده به مصدر أجنبي عنه، فإنه سيسلك طريق "التأويل" حتما لما يواجهه في القرآن من آيات تثير الشك فيما اقتنع به من قبل.

وقد يكون "التأويل" عبارة عن إنكار لما يفهم من اللغة بطبيعتها، وقد يكون مرة أخرى محاولة للجمع والتوفيق بين الجانبين: جانب أن الإسلام فيه سياسة وحكم، وجانب أنه "دين" فقط ... وهذا هو ما جرى عليه الكتاب.

فالمؤلف يقول: في تصوير "النمط الأول" من التأويل، وهو "الإنكار": إذا تأملت وجدت أن كل ما شرعه الإسلام، وأخذ به النبي المسلمين من أنظمة وقواعد وآداب، لم يكن في شيء كثير ولا قليل من أساليب الحكم السياسي ولا من أنظمة الدولة المدنية. وهو بعد، إذا جمعته، لم يبلغ أن يكون جزءا يسيرا مما يلزم لدولة مدنية من أصول سياسية وقوانين.

"إن كل ما جاء به الإسلام من عقائد ومعاملات وآداب وعقوبات فإنما هو شرع ديني خالص لله تعالى، ولمصلحة البشر الدينية لا غير١ وسيان بعد ذلك أن تتضح لنا تلك المصالح الدينية أم تخفى عنا، وسيان أن يكون


١ Thomas W. Arnold طبع أكسفورد سنة ١٩٢٤.

<<  <   >  >>