للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شأن الكتاب هنا كشأنه فيما سبق، عند الحديث عن أن الإسلام "ليس فيه ما يتصل بالسياسة". إذ له موقفان متقابلان، أو له على هذا السؤال جوابان متغايران تغايرا واضحا.

- فمرة يقبول: "فقد غزا -صلى الله عليه وسلم- المخالفين لدينه من قومه العرب، وفتح بلادهم، وغنم أموالهم، وسبى رجالهم ونساءهم. ولا شك في أنه -صلى الله عليه وسلم- قد امتد بصره إلى ما وراء جزيرة العرب، واستعد للانسياب بجيشه في أقطار الأرض، وبدأ فعلا يصارع دولة الرومان في الغرب, ويدعو إلى الانقياد لدينه: كسرى الفرس في الشرق، ونجاشي الحبشة، ومقوقس مصر.

"وظاهر أول وهلة أن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين، ولا لحمل الناس على الإيمان بالله ورسوله. وإنما يكون الجهاد لتثبيت السلطان، وتوسع الملك"١.

فـ"الجهاد" الذي هو مظهر القوة والسلطة، أو بعبارة أخرى: الجهاد الذي هو شعار حيوية٢ الجماعة، يفسر هنا على أنه كان وسيلة التوسع في الملك وتثبيت السلطان. وهو إذن من لوازم الدولة وسياستها التوسعية، ولا شأن له بالدين. "إذ لا يكون لمجرد الدعوة إلى الدين، ولا لحمل الناس على الإيمان بالله ورسوله".

ويزيد الكتاب هذا الأمر -أي: القول بأن "الجهاد" ليس من خصائص الرسالة الإلهية أيا كانت -إيضاحا بنص آخر:

"وما عرفنا في تاريخ الرسل رجلا حمل الناس على الإيمان بالله بحد السيف ولا غزا قوما في سبيل الإقناع بدينه! وذلك هو بنفس المبدأ الذي يقرره -صلى الله عليه وسلم- وفيما كان يبلغ من كتاب الله.


١ المصدر السابق ٥٢.
٢ يقول الزهاوي الشاعر:
كتب الفوز بالبقاء على الأر ... ض لناس تدججوا للنضال
لم يفز بالسلام إلا أنا ... س قد أعدوا سلاحهم للقتال

<<  <   >  >>