للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"طبيعي معقول إلى درجة البداهة أن لا توجد بعد النبي زعامة دينية, وأم الذي يمكن أن يتصور ويوجد بعد ذلك. فإنما هو نوع من الزعامة جديد، ليس متصلا بالرسالة ولا قائما على الدين.. هو إذن نوع لا ديني.

"وإذا كانت الزعامة لا دينية، فهي ليست شيئا أقل ولا أكثر من الزعامة المدنية أو السياسية ... زعامة الحكومة والسلطان، لا زعامة الدين، وهذا هو الذي كان"١.

والسؤال الذي يتردد الآن، بعد عرض هذه النصوص ومقابلة بعضها ببعض: أي حال يكون بعد وفاة الرسول؟

أتلغى النظم العامة للحكم، وقواعد السياسة؟

إن كانت الأولى ... فلم كانت ملحقة بالرسالة الإلهية؟

وإن كانت الثانية.. فأي فرق بين عهد الرسول -وقد وقع فيه اجتهاد إنساني في تطبيق تلك النظم والقواعد، وبين عهد من يكون بعده- وسيقع فيه أيضا اجتهاد إنساني في تطبق تلك النظم والقواعد؟؟ ربما يكون الفرق في أن عهد من جاء بعد الرسول سيتأسى بعهد الرسول في التطبيق: أسسه وكيفيته. ولكن مع ذلك كلا العهدين فيه رسالة دينية, وفيه أيضا عمل بشري داخل إطار هذه الرسالة.

ثم إن كانت هذه النظم من ملحقات الرسالة والدعوة الدينية، وهي "سلطان ترسله السماء من عند الله، على من تنزل عليه ملائكة السماء بوحي الله"، تثبيتا للدعوة وتأييد للرسالة ... يصح أن يسئل الآن: أهي نظم تنسجم مع طبيعة الإنسان كإنسان في توجيهه وقيادته للتهذيب وفعل الخير، وربط أفراد الإنسانية بعضهم ببعض؟ أم ترى يكون تأثيرها على الإنسان في توجيهه وقيادته قاصرا على عهد الرسول وعلى شخصه، وعندما تنجح تكون نتائج تطبيقها في قبول الدعوة معجزة للرسول؟؟ ولكن لم يكن قبول دعوة أي رسول من المؤمنين لما جاء به "معجزة" له، خاصة به؟!

لو صح هذا الزعم لما كان لمدلول الآية الكريمة الآتية معنى يقع ويتحقق يوما ما. وهي: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ٢. فإن القرآن لا يطلب من جماعة المؤمنين الدعوة


١ المصدر السابق ص٩.
٢ آل عمران: ١٠٤.

<<  <   >  >>