للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باستمرار في كل جيل، إلا إذا توقع أنهم يصادفون نجاحا.. ومع ذلك هم ليسوا رسلًا.

إن النظم السياسية التي طبقها الرسول في تأييد دعوته هي من النظم التي تنسجم مع طبيعة الإنسان، وطبيعة الجماعة الإنسانية، وطالما كان هناك "اجتهاد" ومحاولة بشرية في فهم هذه النظم تحت تأثير الأحداث والظروف وفي تطبيقها، فالتفرقة: بأن لهذه النظم الصبغة الدينية في عهد الرسول، والصبغة المدنية في عهد من بعده، تفرقة فيها غموض ولبس.

وربما نجد توضيح هذه التفرقة الغامضة فيما يقول به المستشرقون من أن كثير مما جاء به الإسلام على عهد الرسول لا يصلح للتطبيق بعد حياته في جماعة المسلمين ويجب أن يقصر اعتباره على عهده ووقته فقط.. فالمستشرق الإنجليزي جيوم Alfred Guillame في كتابه "الإسلام" يقول:

"كل مسلم يعلم أن كثيرا من القرآن جاء للوجود كي يلتقي مع بعض أزمات معينة، أو لأحوال مؤقتة في حياة محمد! لكن من هو الذي يعلم أن الواجبات والمحرمات والمكروهات التي جاءت في الإسلام مقصود أن تساس بها حياة الملايين "بعده"، كي تظل تعيش في أوضاع لا تتصور، وهي أوضاع القرن السابع الميلادي"١.

فكتاب: "الإسلام وأصول الحكم" قد تقبل مثل هذا الرأي, سواء في هذه العبارة أو في عبارة أخرى، وحاول أن يبررها في صورة مقنعة.. فكان هذا الإيهام، أو هذا الخلط, الذي رأينا.

وحدة الدين لا وحدة الحكومة:

والآن، بعد عرض فكرة الكتاب الأصلية، وهي إلغاء جزء من رسالة الإسلام، وهو ما يتعلق بالجماعة الإسلامية في تكوينها، وربط بعضها ببعض وصيانة قوتها والحرص على إيقاظ وعي المقاومة فيها، وهو وعي الجهاد، يبرز الكتاب مرة أخرى فكرة: أن الإسلام لا يحفل بالجماعة ونظامها، بل يعني بوحدة القلب، وهو ليس دينا للجماعة، وإنما هو دين لمجموعة من


١ صفحة: ٧٣.

<<  <   >  >>