في الأزهر" أنه قد خطر لي خاطر غريب، لم أحب لنفسي الخوض فيه كثيرا ... ذلك أن بين الإنسان، والجماد، والحيوان قرابة!! اسمعوا هذه الفقرات "في المقدمة" "ثم نظر إلى عالم التكوين، كيف ابتدأ من المعادن، ثم الحيوان، على هيئة بديعة من التدريج، إني لأرى "المتحدث على لسان ابن خلدون، والمؤلف يشرح" الكائنات في هذا العالم سلسلة تتدرج من الأدنى إلى الأعلى: أرى آخر مراتب المعادن وأرقاها متصلة بأول أنواع النبات، وأرى آخر أفاق النبات وأعلاها متصلة بأدنى آفاق الحيوان ... إني لأرى أنه من المعادن، أو قولوا: من الجماد حدث نبات. ثم حدث حيوان، وقد شرحت قدر استطاعتي الفكرة -فكرة الانتقال من طور إلى طور- بأن قلت:"ومعنى الاتصال في هذا الملكوتات: أن آخر أفق منها مستعد لأن يصير إلى الأفق بعده ...
"وتصورت عالم الحيوان على هذا النحو: تصورته في البداية قريب الصلة بالنبات، ثم تطور واتسع وتعددت أنواع الحيوان، وانتهيت إلى الإنسان، ولا أملك نفسي، حين أرى قردا ذكيا يشعر ويكاد ينطق، أن أقول لنفسي: يا عبد الرحمن، هذا ابن عمك! أنا أؤمن بأن حالة ما تستمر إلى الأبد، لا في الحيوان، ولا في النبات، ولا في الإنسان، وأؤمن أن كل شيء قابل بطبيعته للتطور، وأرى أن التطور التدريجي هو أوسع قاعدة تحكم ما أعرف، وإن كنت لا أنكر أنه قد تتبدل أحوال الأمم أحيانا تبدلا كليا، فكأنها تخلق من جديد، وتدخل عالما محدثا"١.
وبهذا أوصل المؤلف، صاحب هذا النص "ابن خلدون"، إلى أنه بشر" بالتفسير المادي للتاريخ، وآمن بتطور كل شيء وانتقاله إلى حالة أخرى، حتى الأمم "كأنها تخلق من جديد، وتدخل عالما محدثا"، وهي حال المقابل والنقيض.
كما أوصله إلى أنه يرى كما يرى "ماركس" لا كما رأى "فيشته" و"هيجل" في انتقال الشيء إلى نقيضه -أن الانتقال أو التطور يكون تدريجيا، ثم إنه قد تتبدل أحوال الأمم أحيانا تبدلا كليا" أي: يكون فجأة انقلابا وثورة.