للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إيمان بحيوانية الجسد.. وكفر بإنسانية الإنسان، وبخالقه:

وبعد، فالماركسية مذهب فلسفي قصد إلى إيجاد توازن في العلاقة بين أصحاب رءوس الأموال والعمال، فحرم كلا الطرفين من الملكية، وفرض قيام "وصاية" عليهما سماها "الدولة" ووكل أمر مباشرة هذه الدولة والتصرف في شئون الوصاية إلى حراس هذا المذهب وهم المريدون له. وبذلك نزع من صاحب رأس المال ماله, ومن العامل حريته في العمل، ووضع المال كله كما وضع التوجيه في العمل بيد الدولة وحدها. وأصبح كل من صاحب رأس المال "سابقا" ومن العامل عنده "سابقا أيضا" في حاجة إلى أن يعيش لأن يأكل!! واتخذت الفلسفة الماركسية من هذا الوضع -وهو الحاجة إلى الأكل وملء "المعدة"- فرصة إلى أن ترى هدف الحياة الإنسانية في الأكل وملء المعدة وحده، دون هدف آخر وراءه، وبذلك بالغت في قيمة هذا الهدف الأرضي الحيواني، كما شددت في إنكار ما وراءه من هدف آخر فوق الحيوانية.

وتبع ذلك إنكار الدين وإنكار الفلسفة المثالية ... وأصبحت التضحية وإنكار الذات، وأصبح الصبر على الشدائد والرضا بالقدر عند العجز عن الدفع، وأصبحت الأخوة في الوطن أو في الإنسانية معان جوفاء لا مدلول لها.. وأصبحت الدعوة إلى الله والقيم الذاتية -كمصدر لإشعاع التوجيه للبشرية عامة- دعوة إلى التخدير.

شجعت الفلسفة الماركسية الحيوانية في جميع جوانبها ... شجعتها في امتلاء المعدة، وفي إشباع الرغبة الجنسية في أية صورة، وفي احتقار العقل، وازدراء الطبقة المثقفة، وأغرقت الطبقة العاملة بأن "الدولة" دولتهم، حتى تضمن ولاء الكثرة العددية في الجماعة الإنسانية لنظامها.

وواقع الأمر: إن جميع الأفراد في النظام الشيوعي أجراء, ولكن لا حرية لهم في قبول العمل أو في اختياره!! هم جنود محاربون، ولكن لا في سبيل الوطن أو في سبيل الله، أو بدافع التضحية لذات التضحية, وإنما هم مساقون من الخلف، والسوط في هذا الدفع الخلفي هو الذي ينطق، دون التذكير بمعاني المجد، والحرص على سلامة الوطن!! وجميعهم في ظل هذا النظام أيضا "منتجون" ولكن إنتاجهم إنتاج "كم"، أكثر منه إنتاج "كيف"، إذ تنقصهم الرغبة في العلم، ويدفعهم إلى قبوله "خلاء المعدة" والرغبة في ملئها فقط.

<<  <   >  >>