إن الثنائية أو "النقيض" موجود مع الإنسان نفسه.. وأحد طرفي "الثنائية" هو أحد طرفي "النقيض" فيه، و"الاستمرار" في البقاء في أحد الطرفين "خروج" عن طبيعة الشيء صاحب الثنائية، للإنسان نفس وجسم, وفيه الاستعداد للحياة والفناء، وعنده "الإمكان" لأن "ينتقل" من أحد الطرفين إلى آخر, ولكن الحكم عليه بأن يبقى في طرف الجسمية وحدها كالحكم عليه بأن يبقى في طرف الحياة وحدها، فلا يجوز عليه الموت، أو بأن يبقى في طرف "العدم" وحده فلا يرى الوجود وحياة الموجودين.
والمجتمع كالفرد له ثنائية، وثنائيته من خصائص طبيعته ... فليس أفراده متساوين في "قيمة" ما جسمية، أو نفسية, أو إنتاجية، وكذا في القيم العرضية كالفن والمعرفة، وإذا كان أفراده مختلفين، فهناك تقابل فيه, والتقابل هو الثنائية، هذه هي طبيعة المجتمع، فمن الانحراف عن طبيعة المجتمع إذن، أن يلغى فيه التقابل أو الثنائية؛ لأنها من طبيعته أن يترك في أحد طرفي التقابل يطغى في المقابل، ووجود التقابل في المجتمع إذن خاصة من خواص طبيعته، وطغيان طرف فيه يعبر عن انحراف طبيعة أيضا.
فحكم الماركسية على بقاء المجتمع في طرف واحد من طرفي ثنائية وعلى أن هذا البقاء خيره الدائم ... مخالف لطبيعة الشيء صاحب الثنائية وبالتالي مخالف لمبدأ "النقيض" الذي قامت عليه.
إن استقامت الثنائية في تعادل طرفيها، لا في إلغاء طرف منهما. و"النقيض" ولا يكون نقيضا إلا إذا بقي له "إمكان" أن يدور بين شيئين متقابلين، وليس في تجميده في طرف واحد، وإلا لألغى نفسه ولم يصبح نقيضا.
وإذن "التوازن" هو علاج الانحراف، والعدل هو وسيلة عدم الانحراف.. إما "الإلغاء" فهو انحراف آخر في المجتمع، وسيلغي المجتمع الإنساني حتما ما طرأ عليه من انحراف، ولو بعد حين؛ لأنه ليس من طبيعته، وستزول الشيوعية، صاحبة نظم الطبقة الواحدة، من حياة المجتمع الإنساني؛ لأنها انحراف فيه وخروج عن طبيعته.
وطبيعة أي شيء لا بد أن تكافح ما يتنافر معها. وجعل الجماعة الإنسانية إذن ذات طبقة واحدة -كما يدعو النظام الشيوعي- يدل على إفلاس في سياسة الجماعة، وهو كذلك أمارة يأس في التفكير الماركسي.