ودفع محمد إقبال -عن طريق التثقيف والمخالطة للغربيين- إلى مواجهة الفكر المادي الغربي، وما قام عليه من إلحاد، وما له من أثر على المسلم المعاصر في توجيهه وفي علاقته بإسلامه.
واضطر كلاهما إلى أن يكشف عن "قيمة" الإسلام في دفع المؤمنين به إلى الحياة والعمل فيها وقيمته في نظرته وتصويره للحياة الإنسانية، في مواجهة الصليبية الغربية وأهدافها تارة، أو في مواجهة الفكر المادي الغربي الإلحادي تارة أخرى.
محمد عبده، ومحمد إقبال، كلاهما قام إذن بمحاولة فكرية إسلامية أو بحركة إصلاحية في تعديل المفاهيم الإسلامية، قصد منها بيان القيمة الإيجابية في توجيه الإسلام، وكلاهما دفع إذن إلى هذه المحاولة تحت ضغط عامل خارجي: أحدهما -وهو الشيخ عبده- تحت ضغط الاستعمار الصليبي وسلطته، والثاني -وهو محمد إقبال- تحت ضغط الفكر المادي الطبيعي وسيادته في أوروبا، وانتشار الدعوة إليه في الهند خاصة في ذلك الوقت، عن طريق السيد أحمد خان والشاعر التركي توفيق فكرت -من دعاة مذهب "أوجست كومت" في حركة التجديد الإسلامي في تركيا- وكلاهما أخلص في محاولته، وبذل مجهودا مشكورا فيها.
إلا أن محاولة محمد عبده تعتبر قريبة من منطق الثقافة الإسلامية، بينما محاولة إقبال تعتبر قريبة من منطق التفكير الغربي، وليس معنى ذلك أن أحدهما أقرب إلى روح الإسلام والثاني إلى روح الغرب، ولكن معناه أن طريقة التفكير يغلب عليها الطابع الغربي في الجدل، وفي تحديد الألفاظ والعبارات وإثارة السؤال والإجابة عنه عند واحد. بينما طابع التفكير في الشرق، واستخدام أسلوب اللغة، وأسلوب المناقشة فيه يسيطر عند الآخر.
وقد عجلنا في فصل من فصول هذا الكتاب، بعرض المحاولة الفكرية الإصلاحية التي قام بها الشيخ عبده، بعد الحديث عن جمال الدين الأفغاني، للصلة الوثيقة بينهما: إذ تكاد تعتبر حركة كل منهما مكملة لحركة الآخر، فوق أنه يربطهما رباط واحد، هو مواجهة الاستعمار الغربي، مباشرة في سلطته وفي تحريفه للإسلام عن طريق الاستشراق، وهذا الرباط يعتبر بمثابة الدافع والغاية معا، فيما ينسب إليهما من تفكير ومحاولة إصلاحية.