للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"إقبال" من أجل هذا، يريد أن يدفع المسلم من جديد إلى العمل وعدم التواكل.. يريد أن يدفعه عن طريق الإسلام نفسه إلى فهم أن العالم الذي نعيش فيه ليس أمرا مغايرا تماما للإنسان نفسه, ولا بعيدا كل البعد عن روح الله ووجود ذاته المقدسة.. يريد أن يدفعه إلى القوة، وإلى الاحتفاظ بالذات والشخصية.

هذا هو العنصر الأساسي الذي دفع "إقبال" إلى تفكيره الإصلاحي، وهو العنصر الذي يتجل كثيرا فيما يتحدث عنه من دوافع عديدة دفعته إلى هذا التفكير، أو العنصر الذي يتضح فيما يجده القارئ منثورا في كتاباته وشعره، وهذه الدوافع هي:

- المسلم المعاصر:

يتحدث "إقبال" عن ظروف المسلم المعاصر، كدافع من الدوافع التي حملته على الإصلاح وهي ظروف الإنسان الذي يعيش مترددا بين قديم أصيل خصب، لم يستطع بوضعه الحالي أن ينقله إلى الحياة كما يحيا غيره، وبين جديد براق، لبريقه خداع يخشى منه عليه.

يقول: "ظل التفكير الديني في الإسلام راكدا خلال القرون الخمسة الأخيرة وقد أتى على الفكر الأوروبي زمن تلقى فيه وحي النهضة الإسلامية، ومع هذا فإن أبرز ظاهرة في التاريخ الحديث هي السرعة الكبيرة التي ينزع بها المسلمون في حياتهم الروحية نحو الغرب! ولا غبار على هذا المنزع، فإن الثقافة الأوروبية في جانبها العقلي ليست إلا ازدهارا لبعض الجوانب الهامة في الإسلام، وكل الذي نخشاه هو أن المظهر الخارجي البراق للثقافة الأوروبية قد يشل تقدمنا فنعجز عن بلوغ كنهها١، وهو يشير بهذا المظهر الخارجي البراق للثقافة الأوروبية إلى الاتجاه العلمي الجديد، وهو الاتجاه التجريبي المادي الذي ساد تفكير القرن التاسع عشر: فله خطره -في نظره- على المسلم المعاصر، إذا لم يعرف هذا المسلم أن الإسلام يطلب "التجربة" في المعرفة، وإذا لم يعرف أن التاريخ الفكري لأسلافه الأولين أفاد البشرية عامة باستخدام التجربة في نطاق واسع للمعارف الإنسانية.


١ "تجديد الفكر الديني في الإسلام" ترجمة عباس محمود ... طبع دار التأليف والترجمة والنشر ١٩٥٥, ص١٤.

<<  <   >  >>