للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذه المحاولة، التي يريد "إقبال" أن يحاولها، يستطيع الإسلام من وجهة نظره أن يكون له اعتبار عام، بوصف كونه رسالة للإنسانية كافة، وعلى الأخص للمسلم، في الوقت الذي يسيطر فيه الطابع التجربي على المعرفة الإنسانية فهذه المحاولة ليست محاولة لإعطاء الإسلام قيمة عامة، وإنما هي لكشف قيمته في نظر الإنسان التجريبي، وهو الإنسان الغربي المعاصر, وفي نظر المسلم الذي يعيش معه في وقته.

- الإنسان الأوروبي المعاصر:

ولم يرض "إقبال" للمسلم المعاصر -بعد أن وضح حاجته إلى تغيير وضعيته في الحياة- أن يكون صورة للأوروبي المعاصر، كما رضي من قبل صاحب "مستقبل الثقافة في مصر" أن يكون المسلم في مصر صورة للأوروبي في السلوك والتفكير: بل وألح فيه إلحاحًا.

لم يرض "إقبال" ذلك؛ لأن "الرجل العصري بما له من فلسفات نقدية، وتخصص علمي، يجد نفسه في ورطة: فمذهبه الطبيعي قد جعل له سلطانا على قوى الطبيعة لم يسبق إليه، لكنه قد سلبه إيمانه في مصيره هو"١.

"والإنسان العصري وقد أعشاه نشاطه العقلي، كف عن توجيه روحه إلى الحياة الروحانية الكاملة، أي: إلى حياة روحية تتغلغل في أعماق النفس، فهو في حلبة الفكر في صراع صريح مع نفسه.. وهو في مضمار الحياة الاقتصادية والسياسية في كفاح صريح مع غيره.

وهو يجد نفسه غير قادر على كبح أثرته الجارفة، وحبه للمال حبا طاغيا يقتل كل ما فيه من نضال سام شيئا فشيئا، ولا يعود عليه منه إلا تعب الحياة، وقد استغرق في "الواقع" أي: في مصدر الحس الظاهر للعيان، فأصبح مقطوع الصلات بأعماق وجوده، تلك الأعماق التي لم يسبر غورها بعد، وأخف الأضرار التي أعقبت فلسفته المادية هي ذلك الشلل الذي اعترى نشاطه، والذي أدركه "هكسلي" Hixley وأعلن سخطه عليه"٢.


١ المصدر السابق: ص٢١٤.
٢ المصدر السابق: ص٢١٥، ٢١٦.

<<  <   >  >>