للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاشتراكية الملحدة الحديثة -ولها كل ما للدين الجديد من حمية وحرارة- لها نظرة أوسع أفقا، لكنها وقد استعدت أساسها الفلسفي من المتطرفين من أصحاب مذهب "هيجل" Hegel، قد أعلنت العصيان على ذات المصدر الذي كان يمكن أن يمدها بالقوة والهدف ... وهي "إذن ليست" بقادرة على أن تشفي علل الإنسانية"١.

فالأوروبي المعاصر إذن -سواء أكان من أصحاب الفلسفة العقلية، أم من أصحاب فلسفة الحس والواقع، أم من أنصار الاشتراكية الماركسية الملحدة- لا يجد لنفسه، استقرارا ولا اطمئنانا، وهو في قلق مستمر واضطراب، أما مع نفسه أو مع غيره.

ومن أجل ذلك لا يريد "إقبال" للمسلم المعاصر أن يكون في وضع الأوروبي المعاصر. وإنما يريد له أن يبقى مؤمنا بإسلامه، على أن يلائم نفسه مع أوضاع الحياة العصرية وأحوالها وأن يكون يقظا لتلك "التجربة الاقتصادية الجديدة "الاشتراكية الشيوعية" التي تجرب على مقربة من آسيا الإسلامية, وأن نفتح أعيننا على ما ينطوي عليه الإسلام من معنى، وعلى مصيره"٢.

- طبيعة الإسلام:

و"إقبال" -إذ لا يرضيه وضع المسلم المعاصر في الحياة، ولا يريد له أن يكون كالأوروبي في توجيهاته- يجد أن الإسلام، كدين، له من المزايا ما يدفع المصلح المفكر لتخيره كمصدر توجيه وإيمان، ولو أن الإسلام كان على خلاف ما سيبينه، لما قام "إقبال" بحركته الفكرية فيما سماه: "تجديد الفكر الديني في الإسلام". وهناك إذن حاجة ملحة لتغيير وضعية المسلم في حياته الحاضرة، وليس هناك ما يدفع هذه الحاجة إلى الإسلام نفسه. ليس هناك عوض عنه في أداء مهمته.

والإسلام له جانب الدين، وجانب آخر من العقائد والمبادئ الفردية: فأما في جانب الدين فيرى "إقبال" أن العالم اليوم قد أصبح مفتقرا إلى تجديد سيكلوجي والدين هو في أسمى مظاهره "وهو المظهر الصوفي" ليس عقيدة فحسب، أو كهنوتا، أو شعيرة من شعائر، بل هو وحده


١ المصدر السابق: ص٢١٦, ٢١٧.
٢ المصدر السابق: ص٢٠٧.

<<  <   >  >>