للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القادر على إعداد الإنسان العصري إعدادا خلقيا يؤهله لتحمل التبعة العظمى التي لا بد من أن يتمخض عنها تقدم العلم الحديث وأن يرد إليه تلك النزعة من الإيمان التي تجعله قادرا على الفوز العظيم بشخصيته في الحياة الدنيا، والاحتفاظ بها في دار البقاء، إن السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ومستقبله -من أين جاء، وإلى أين المصير- هو وحده الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي، وعلى حضارة فقدت وحدتها الروحية. بما انطوت عليه من صراع بين القيم الدينية والقيم السياسية، والدين -كما بينت من قبل- من حيث هو سعي المرء سعيا مقصودا للوصول على الغاية النهائية للقيم, فيمكنه بذلك أن يعيد تفسير قوى شخصيته هو حقيقة لا يمكن إنكارها"١.

والإسلام -بما له من جانب آخر من العقائد انفرد به دون ما سواه- يذكر "إقبال" أنه وحده هو الذي يستطيع أن يقدم للمسلمين اليوم تلك الديمقراطية الروحية التي هي منتهى غايته ومقصده.

"إن الإنسانية اليوم تحتاج إلى ثلاثة أمور:

- تأويل الكون تأويلا روحيا.

- وتحرير روح الفرد.

- ووضع مبادئ أساسية ذات أهمية عالمية توجه تطور المجتمع الإنساني على أساس روحي".

ولا شك أن أوروبا في العصر الحديث قد أقامت نظما مثالية على هذه الأسس ولكن التجربة بينت أن الحقيقة التي يكشفها العقل المحض لا قدرة لها على إشعال جذوة الإيمان القوي الصادق، تلك الجذوة التي يستطيع الدين وحده أن يشعلها وهذا هو السبب في أن التفكير المجرد لم يؤثر في الناس إلا قليلا، في حين أن الدين استطاع دائما أن ينهض بالأفراد ويبدل الجماعات بقضها وقضيضها, وينقلهم من حال إلى حال.

"إن مثالية أوروبا لم تكن أبدا من العوامل الحية المؤثرة في وجودها، ولهذا أنتجت ذاتا ضالة أخذت تبحث عن نفسها بين ديمقراطيات لا تعرف


١ المصدر السابق: ص٢١٧.

<<  <   >  >>