للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصدره وهو القرآن له صفة الجزم والتأكيد والأبدية، وأية حركة "إصلاحية" في الإسلام بعد ذلك هي إذن في دائرة الفكر الإسلامي حوله، وفي دائرة أفهام المسلمين لمبادئه، وأي "تطور" للإسلام يجب أن يكون بهذا المعنى في دائرة أفهام المسلمين وتفسيرهم لتعاليمه، وليس هناك تطور للإسلام نفسه؛ لأن الوحي به قد انتهى على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم، كما ختمت برسالته الرسالة الإلهية, ولا يترقب إذن أن يكون هناك إصلاح ديني في الإسلام، على نحو الذي قام بصنعه "مارتن لوثر" في المسيحية, لعدم التثبت في رواية الإنجيل، وعدم الاتفاق على رواية واحدة مؤكدة له، مما أتاح فتح منافذ عديدة، دخل منها إلى رسالة المسيح عادات وأفهام أصبحت على مر الزمن جزءا لا يتجزأ من المسيحية، وبالتالي أتاح فرصة لإصلاح "لوثر" ومن على شاكلته.

وإصلاح الفكر الديني في الإسلام -عند "إقبال"- يقوم على طلب تغيير الوضع الذي وصل إليه المسلم الآن، ووصلت إليه الجماعة الإسلامية, وهو وضع الضعيف المتهيب الحياة، النافر من الواقع ... يقوم على مكافحة الهرب من الحياة، وعدم استطاعة السيطرة على المادة أو الطبيعة ... يقوم على مكافحة "وحدة الوجود" التي تدعو إلى فناء الإنسان في "الحقيقة المطلقة" كما تدعو إلى السلبية في الحياة ... يقوم على تأكيد "أنا" وذات الإنسان، كي يحول دون فنائها أو قهرها ... يقوم على طلب "الذاتية" بهذا المعنى، كما يقوم على طلب "الواقعية" بمعنى عدم الفرار من الحياة!!! والواقعية التي يطلبها ليست "إلحاد" المادية الوضعية، وإنما هي تفادي "البرهمية" و"الصوفية الإشراقية" أو التصوف العجمي، كما يسميه.

يصف "إقبال" وضع المسلم الذي صار وتحول إليه الآن بقوله: إن المسلم القوي الذي نشأته الصحراء, وأحكمته رياحها الهوجاء، أضعفته رياح "العجم" فصار فيها كالناي نحولا ونواحا!! وإن الذي كان يذبح الليث كالشاة, تهاب وطء النملة رجلاه!! والذي كان تكبيره يذيب الأحجار, انقلب رجلا من صفير الأطيار!! والذي هزأ عزمه من شم الجبال، غل يديه ورجليه بأوهام "الاتكال"!! والذي كان ضربه في رقاب الأعداء، صار يضرب صدره في اللأواء!! والذي نقشت قدمه على الأرض ثورة، كسرت رجلاه عكوفا في "الخلوة"!! والذي كان يمضي على الدهر حكمه، ويقف

<<  <   >  >>