للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن "إقبال" هنا شاعر في تصويره خلود النفس ... إنه لا ينكر البعث ولا الحشر، كما لا ينكر موت النفس من قبل ... إنه يحرص على فردية الإنسان ليجعلها مصدر قوة، ويحرص على أن تعمل وتفكر، لا أن تتواكل وتستجدي. النفس العاملة القوية هي النفس التي تحيا في هذه الحياة, وهي النفس التي تستمر لها الحياة في دار الجزاء، وعندئذ يكون "الموت" بمثابة مرحلة انتقال، فهي في عملها مستمرة، وفي حياتها مستمرة كذلك، فهي خالدة بهذا المعنى.

هو يريد أن يحرض الإنسان المسلم على القوة والعمل، يريد أن يدفعه دفعا، ولكن من ذاته لا من خارج ذاته. إنه يعشق القوة، ويعشق العمل, أو أنه يتوق إلى أن يرى المسلم قويا عاملا، غير مستذل وغير متواكل، إن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.

"حياة العلم من قوة الذات ... فالحياة على قدر ما فيها من هذه القوة، فالقطرة حين تقوى ذاتها تصير درة، والجبل إذا غفل عن ذاته انقلب سهلا وطغى عليه البحر"١. "لا بتغ رزقك من نعمة غيرك، ولا تستجد ماء ولو من عين الشمس، واستعن بالله وجاهد الأيام، لا ترق ماء وجه الملة البيضاء، طوبى لمن يحتمل الضر من الحرور والظمأ، ولا يسأل الخضر كاسا من ماء الحياة"٢.

والخلود بهذا المعنى -لا بمعنى إنكار الموت، أو إنكاء فناء العالم وعدم البعث- يزيد في شرحه "إقبال" مرة أخرى. إذ يقول أيضا.

"إن النهاية، أي: انقضاء الأجل ليس بلاء ... {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا، لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} ٣، وهذا أمر بالغ الأهمية ينبغي أن يفهم على وجهه صحيح، حتى نضمن فهم رأي الإسلام في "الخلاص" فهما واضحا فالإنسان -أو الذات المتناهية- بشخصيته المفردة، التي لا يمكن أن يستعاض عنها بغيرها، سيق بين يدي الذات غير المتناهية، ليرى عواقب


١ المصدر السابق: ص٧٤.
٢ المصدر السابق: ص٧٨.
٣ مريم: ٩٣-٩٥.

<<  <   >  >>