للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما أسلف من عمل، وليحكم بنفسه على إمكانيات مصيره {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} ١.

"فأيا كان المصير النهائي للإنسان، فإنه لا يعني فقدان فرديته، والقرآن لا يعد التحرير التام من التناهي أعلى مراتب السعادة الإنسانية، بل "جزاؤه الأوفى" هو في تدرجه في السيطرة على نفسه، وفي تفرده، وقوة نشاطه بوصفه روحا, حتى إن منظر "الفناء الكلي" الذي يتحدث عنه القرآن في قوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} ٢ الذي يسبق يوم الحساب مباشرة، لا يمكن أن يؤثر في كمال الروح التي اكتملت نموا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ٣. ومن يكون أولئك الذي ينطبق عليهم هذا الاستثناء، إلا الذين بلغت أرواحهم منتهى القوة؟! وتصل الروح إلى أسمى مرتبة في هذا النمو، عندما تكون قادرة على تملك النفس تملكا تاما، حتى في مقام الاتصال بالذات المحيطة بكل شيء، فتكون الروح كما جاء في القرآن في وصفه لرؤية النبي للذات الأولى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} ٤. وهذا هو المثل الأعلى للإنسانية الكاملة في الإسلام"٥.

"فالإنسان في نظر القرآن، متاح له أن ينتسب إلى معنى الكون وأن يكون خالدا ... إن كائنا اقتضى تطوره ملايين السنين, ليس من المحتمل إطلاقا أن يلقى به كما لو كان من سقط المتاع. وليس إلا من حيث هو نفس تتزكى باستمرار، إذ يمكن أن ينتسب إلى معنى الكون: " {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} ٦، وكيف تكون تزكية النفس وتخليصها من الفساد؟ إنما يكون ذلك بالعمل: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} ٧.

"فالحياة تهيئ مجالا لعمل النفس، والموت هو أول ابتلاء لنشاطها المركب، وليست هناك أعمال تورث اللذة, وأعمال تورث الألم، بل هناك


١ الإسراء: ١٣، ١٤.
٢ الأنعام: ٧٣.
٣ الزمر: ٦٨.
٤ النجم: ١٠.
٥ كتاب: تجديد الفكر الديني في الإسلام: ص١٢٤, ١٢٥.
٦ الشمس: ٧-١٠.
الملك: ١، ٢.

<<  <   >  >>