للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعمال تكتب للنفس البقاء، أو تكتب لها الفناء، فالعمل هو الذي يعد النفس للفناء, أو يكفيها لحياة مستقبلة, ومبدأ العمل الذي يكتب للنفس البقاء هو: احترامي للنفس في وفي غيري من الناس، وعلى هذا فالخلود لا نناله بصفته حقا لنا، وإنما نبلغه بما نبذل من جهد شخصي.

"وأكبر ما وقعت فيه المادية من خطأ يبعث على الأسف، هو القول بأن الشعور المتناهي يستنفذ موضوعه. والفلسفة والعلم ليسا إلا طريقة واحدة من طرق البحث في هذا الموضوع. ولكن هناك طرائق أخرى متاحة لنا. وإذا كان العمل قد أمد الروح من القوة بما يكفل لها مواجهة الصدمة التي يحدثها فناء البدن، فإن الموت يكون مجازًا لا غير إلى البرزخ الذي جاء وصفه في القرآن"١.

والخلود، كما يقول "إقبال"، ليس حقا للإنسان، إنما هو غاية وهدف، ووسيلته العمل وحده ... وهو استمرار للحياة، والموت فقط فقط ابتلاء.

"والبحث إذن ليس حادثا يأتينا من خارج، بل هو كمال لحركة الحياة في داخل النفس، وسواء أكان البعث للفرد أم للكون، فإنه لا يعدو أن يكون نوعا من "جرد البضائع" أو الإحصاء لما أسلفت النفس من عمل وما بقي أمامها من إمكانيات ... على أن القرآن يرى أن البعث يكسب الإنسان حدة في البصر - {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ٢- يرى به مصيره الذي كسبه لنفسه معلقا بعنقه {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} ٣.

أما الجنة والنار فهما حالتان، لا مكانان، ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني، أو لصفة أو حال, فالنار في تعبير القرآن: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} ٤ هي إدراك أليم لإخفاق الإنسان بوصفه إنسانا، أما الجنة فهي سعادة الفوز على قوى الانحلال.


١ المصدر السابق: ص١٢٦, ١٢٧.
٢ سورة ق: ٢٢.
٣ المصدر السابق: ص١٤١, والآية من سورة الإسراء: ١٣.
٤ الهمزة: ٦, ٧.

<<  <   >  >>