للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حياة دائمة متجددة، وعمل مستمر، وكفاح متواصل, ليس هناك تكرار وليس هناك مدار دائري للحركة، إنما هناك خيط مستقيم لا نهائي, ذلك كله يصور مجال الإنسان في الوجود.

فردية ذاته لا تمحى، ووجوده لا يبلى، وقربه من "اللانهائي" هو غاية حركته في سيره وفي عمله ... ليس بعد هذا القرب نهاية؛ لأن ذات "اللانهائي" دائمة في وجودها، وفي خلقها.

هذا التصوير كله يصور به "إقبال" وجود الإنسان وحياته، كي يعمل الإنسان طالما ليست لحياته نهاية، وليدفع اليأس عن نفسه طالما تتجدد فرص الكفاح والنجاح فيه، وطالما تختفي "الأبدية" -كصفة- لخيبة أمله وإخفاقه.

أما كيف أن "إقبال" حمل النصوص القرآنية التي أوردها على المعنى الذي أراده -وربما خالف فيما أراده من معنى كثيرين من علماء المسلمين قبله- فذلك شيء سنشير إليه عند "التعليق" على تفكيره التجديدي الإصلاحي، عقب الفراغ من عرضه، تحت عنوان: "إقبال، فيما أرى".

الذات الكلية:

يريد "إقبال" فيما يتحدث به عن "الذات الكلية" أن يوضح أن الله هو حقيقة الوجود، أو وحدة الوجود، وأن دليل وجوده هو التجربة، ولكنها تجربة الدين, وليست تجربة الطبيعة، كما يوضح أنه لا ينفصل عن العالم الطبيعي أو الواقعي، لا على معنى أنه حال فيه، ولكن على معنى أن ذات الله تجلت فيه. والعالم الطبيعي أو الواقعي باق طالما هو تجلي الله ... "نظرية هيجل".

"والذات الأولى توجد في "ديمومة" بحتة، ينقطع فيها التغير عن أن يكون تعاقبا لأحوال متخالفة, وتكشف الذات عن صفتها الحقة باعتبارها خلقا مستمرا {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} ١، {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} ٢.

و"وجود الله" هو تجلي ذاته, لا السعي وراء مثل أعلى يراد الوصول


١ سورة ق: ٣٨.
٢ البقرة: ٢٥٥.

<<  <   >  >>