للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه. "وما لم يقع بعد" معناه بالنسبة للإنسان: السعي والطلب, وقد يعني الإخفاق، أما "ما لم يقع بعد" بالنسبة لله فيعني تحققا لا يخفق لإمكانيات وجوده، تلك الإمكانيات الخالقة غير المتناهية، التي تحتفظ بوحدتها التامة الكاملة خلال تجليه في الوجود"١.

"ولعلنا الآن في موقف يدعلنا ندرك معنى الآية": {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} ٢. فقد أدى بنا التفسير الدقيق لتعاقب الزمان -كما يتجلى في أنفسنا- إلى فكرة عن الحقيقة القصوى، هي أنها "ديمومة" بحتة يتداخل فيها الفكر، والوجود، والغاية، لتؤلف جميعا وحدة متكاملة، ولا نستطيع إدراك هذه الوحدة إلا من حيث هي وحدة نفس متحققة الوجود محيطة بكل شيء, هي الينبوع الأول لكل حياة فردية، وكل فكر فردي"٣.

والذات الكلية ليست ذاتا منعزلة عن هذا العالم، وليس هذا العالم "غيرا" لها.

و"الذات الأولى" في تعبير القرآن، غنية عن العالمين: {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ٤. أما ما عداها فلا يستطيع أن يدعي أنه ذات أخرى مقابلة لها، وإلا وجب أن تكون الذات الأولى كذواتنا المتناهية، بينها وبين الغير المقابل لها نسبة مكانية. وما نسميه "الطبيعة" أو "غير الذات"، وليس إلا لحظة عابرة في وجود الله، ووجود الله من ذاته لا من غيره, وهو وجود أزلي مطلق ويستحيل علينا أن نتصور في عقولنا هذه الذات تصورا كاملا، فهو كما يقول القرآن الكريم: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٥.

"وبعد: فإن العقل لا يمكن أن يتصور نفسا من غير أن تلحقها صفة، أي: من غير منهج مطرد من السلوك، والطبيعة -كما رأينا٦- ليست


١ المصدر السابق: ص٢٧٢.
٢ الفرقان: ٢.
٣ المصدر السابق: ص٦٦, ٦٧.
٤ آل عمران: ٩٧.
٥ الشورى: ١١.
٦ يشير إلى ما ذكره في ص٢٤٣ من كتاب "تجديد الفكر الديني في الإسلام" عن نظرية "أينشتين" Albert Einstein "المولود في سنة ١٨٧٩"، وهي نظرية النسبية The theory of relativity وما ذكره هو:=

<<  <   >  >>