إن السبب في تمجيد "إقبال" للحركة التجديدة في تركيا، اتباعه للمستشرقين في ذلك.. هو تقليد لهم في الرأي، وليس نتيجة مباشرة لدراسته هذه الحركة. وإن أي مفكر يقدر قيمة الفكر، لا يصف هذه الحركة التركية إلا بأنها تقليد في غير وعي للغربيين، وأنا أقصد "في غير وعي" لأن الباعث عليها الرغبة في أن تكون تركيا من "أوروبا" لا من آسيا، وأن يكون للأتراك طابع الغربيين لا طابع الشرقيين، فيما هو ممدوح ومذموم، كما طلب لمصر يوما ما صاحب "مستقبل الثقافة في مصر"، فهي حركة اندفاعية لا حركة متئدة تتخير وتقدر في تخيرها الاحتفاظ بشخصية "الأمة" أو الجماعة.
اليابان جددت حقا؛ لأن حركتها التجديدية قامت على التخير، دون "الاندفاع" اليابان ظلت شرقية، ومع ذلك تفوقت على الغرب في مجال الصناعة، وفي المجتمع وتماسكه قبل ذلك، كمجتمع له شخصية بارزة.
أما تركيا فليس لحركتها طابع معروف حتى اليوم، فلا هي بالشرقية ولا هي بالغربية ... يجعلها الغرب "غربية" في اللحظة التي يريد أن يحرضها على الإمعان في البعد عن الإسلام والجماعات الإسلامية, وفي مقدمة هذه الجماعات الشعوب العربية؛ لأنه نزل بلغتها القرآن، ويجعلها "شرقية" يوم يتحدث عن حضارتها المعاصرة بأنها حضارة مستعارة من الغرب ليس لها فيها إلا التقليد الأعمى!!! من السهل على الفرد، وكذا على الجماعة، أن يهدم ويلغي، ولكن ليس من السهل أن يبني ... وأشد عسرا أن يكون أصيلا في البناء! إن تركيا الحديثة، مظهر تجديدها إلغاء الدين، وفقدان شخصيتها، وتبعيتها تبعية مطلقة في السياسة والتوجيه، والاقتصاد، للغرب الصليبي!.
ولأن "إقبال" يمجد نهضة تركيا الحديثة من جانب، ويشجع الرياضة الصوفية من جانب آخر, يمتدحه المستشرقون في حديثهم عند تعرضهم للحركات الإسلامية المعاصرة، ويذكرون له من حسناته فقط هذين الأمرين بينما يعيبون عليه في الوقت نفسه رأيه في أن الإسلام دين ودولة معا، وفي أن الحقيقة الإسلامية أمر واحد لها اعتباران فقط. يعيبون عليه أكثر من تشجيعه قيام دولة إسلامية على أساس إسلامي, مع عنايته تمام العناية بنفس الطابع الثيوقراطي عن الدولة التي تقوم على هذا الأساس الإسلامي.
- وحسن ظنه بالمستشرقين جعل فيه نقطة ضعف أخرى, وهي ثقته فيما يكتبون، وتقبله له دون امتحان لم يكتبونه، فهو مثل يستحسن ما كتبه "هورتن" Horten الذي كان يوما ما أستاذا للغات السامية