للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأخرى. أو دخلوه تخلصا من مسئولياتهم الدينية المباشرة في مجتمعاتهم المسيحية، أقبل هؤلاء على الاستشراق تبرئة لذمتهم الدينية أمام إخوانهم في الدين،، وتغطية لعجزهم الفكري، وأخيرا بحثا عن لقمة العيش إذ إن التنافس في هذا المجال أقل منه في غيره من أبواب الرزق١.

وهناك ملاحظة لبعض الباحثين تتعلق بالمستشرقين اليهود خاصة. فالظاهر أن هؤلاء أقبلوا على الاستشراق لأسباب دينية, وهي محاولة إضعاف الإسلام والتشكيك في قيمه بإثبات فضل اليهودية على الإسلام؛ بادعاء أن اليهودية في نظرهم هي مصدر الإسلام الأول، ولأسباب سياسية تتصل بخدمة الصهيونية: فكرة أولا ثم دولة ثانيا، هذه وجهة نظر ربما لا تجد مرجعا مكتوبا يؤيدها غير أن الظروف العامة، والظواهر المترادفة في كتابات هؤلاء المستشرقين تعزز وجهة النظر هذه، وتخلع عليها بعض خصائص الاستنتاج العلمي.

وقد تركزت أهداف الاستشراق -مع تنوعها- أخيرا في خلق التخاذل الروحي، وإيجاد الشعور بالنقص في نفوس المسلمين والشرقيين عامة، وحملهم من هذا الطريق على الرضا والخضوع للتوجيهات الغربية.

"ومن المبشرين نفر يشتغلون بالآداب العربية والعلوم الإسلامية أو يستخدمون غيرهم في سبيل ذلك، ثم يرمون كلهم مما يكتبون إلى أن يوازنوا بين الآداب العربية والآداب الأجنبية، أو بين العلوم الإسلامية والعلوم الغربية "التي يعدونها نصرانية؛ لأن أمم الغرب تدين بالنصرانية" ليخرجوا دائما بتفضيل الآداب الغربية على الآداب العربية والإسلامية، وبالتالي إلى إبراز نواحي النشاط الثقافي في الغرب وتفضيلها على أمثالها في تاريخ العرب والإسلام، وما غايتهم من ذلك إلا تخاذل روحي وشعور بالنقص في نفوس الشرقيين وحملهم من هذا الطريق على الرضا بالخضوع للمدنية المادية الغربية"٢.


١ راجع الصفحات ١٩ وما بعدها، ٢٨ وما بعدها، ٤٠ وما بعدها. من كتاب "المستشرقون" وراجع المجلدين الثالث والرابع من مجلة المجمع العلمي العربي لعامي ١٩٢٣, ١٩٢٤ وراجع مجلة الإسلام بالإنجليزية Al-Islam في أعدادها الصادرة في فبراير وأبريل ومارس ومايو، من عام ١٩٥٨.
٢ التبشير والاستعمار: ص١٧.

<<  <   >  >>