للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن نورد فيما يلي قليلا من العثرات في مؤلفات المستشرقين التي تشهد على نقص المستوى التاريخي العلمي. ولكي يكون نطاق البحث محدودا وميسورا سنقصر ملاحظاتنا على الباحثين في الدراسات العربية، فليس ثمة مجال لاتهام أحدهم بباعث من بواعث الجدل أو التبشير, وجميعهم يؤخذون باعتبارهم متوفرين على النشاط الأكاديمي الذي يحمل في ذاته التبرير والجزاء. والمستشرقون يعملون بالطبع خلال اضطلاعهم بواجباتهم المعتادة على تدريب دبلوماسيين ومبشرين ورجال أعمال بجانب جهودهم في العمل على استدامة بقاء نوعهم بتدريب من يخلفهم في التدريس والبحث، ومن هنا تكون أهمية ما يحملون من "أيديولوجية" بالنسبة لما يخلفونه من آثار وما ينطبع منهم على غيرهم، ومقصدنا بالضبط أن نعرض هنا لمناقشة الأيديولوجية كما تحملها كتب هؤلاء، لأجل أن نبرز المواضيع التي أغفل فيها التدقيق في اتباع القوانين المسلم بها في البحث العلمي.

وربما كان أبرز الأمور التي لا تراعى فيها قواعد "اللعبة" ذلك المفهوم الذي شغف به معظم المستشرقين عن دور محمد كرسول لله وطبيعة الرسالة التي أمر بإبلاغها كما حفظها القرآن، ومحمد بالنسبة لجماعة الإسلام هو آخر رسل الله للبشرية، أرسل مصدقا لرسالات الأنبياء السابقين ومكملا لها. والقرآن بالنسبة لهذه الجماعة هو كلام الله الأزلي غير المخلوق، أوحي إلى محمد منجما على فترات عن طريق الملك جبريل، والدعوة إلى نشر هذه الرسالة هو كالرسالة نفسها من أمر الله ووحيه.

وأي كاتب -وإن لم يكن مسلما مؤمنا- يتخلف عن مراعاة هذه الاعتقادات وهو يكتب عن الإسلام إنما يخاطر بتعريض نفسه للاتهام بنقص في النظرة الموضوعية الشاملة, وعند معالجة هذا الموضوع قد يكون الطريق السليم أن يقرر الكاتب وجهة نظر المسلم كاملة في تمام ووضوح لا يدعان مثارا للشكوى أو سوء التأويل، وإذا ما كان للكاتب رأي مغاير أو إذا ما رغب في الإشارة إلى آراء مغايرة، فسوف يكون موقفه مقبولا تماما حين يبدي ما يريد منفصلا متميزا بعد أن يقرر وجهة النظر المتعارف عليها بين المسلمين.

غير أن هذا النهج المنطقي والطبيعي في العرض قلما يتبع من الأسف. وكثيرا ما يحدث العكس، فيتعرض القارئ نتيجة لذلك -ما لم يكن على علم- إلى شيء من الإيحاء برأي معين، أو يتعرض على الأقل إلى اختلاط في الأمور يجعله عاجزا عن التمييز بين الأصل المتوارث لدى جماعة المسلمين

<<  <   >  >>