عندما استغرق الجدليون الأول في الإساءة إلى الإسلام والتضليل في فهمه، كان غرضهم تخريبيا هداما، وبدخول الأهداف التبشيرية أصبحت هناك حاجة إلى شيء من "الموضوعية" وأصبح منهج العمل مزيجا من تشويه الإسلام وإظهار معايبه، ولكن على أساس من وقائع أكثر ثباتا، لأجل المقارنة مع المسيحية، وقد هجرت الآن الطريقة الأولى عمليا، أما الثانية فقد هون منها شيئا ما، أو ألبست زيا جديدا، ومن صورها المعتدلة القول بأنه لا بد للإسلام من "إصلاح" reform ولا نستطيع أن نتبين أول من نادى بهذا الاقتراح، أو استعمل هذا التعبير في دلالته الغربية، ولكن من الواضح جليا أن كثيرا من الهراء قد سطر حول هذا الموضوع حتى غدا من الضروري استجلاء معانيه.
إن المستشرقين -وبخاصة البروتستنتيين منهم- لم يستطيعوا أن يحرروا أنفسهم مما يمكن تسميته بحتمية "الإصلاح" في دين من الأديان! ولعله لا يكون مجرد مصادفة أن الباحثين اليهود "والروم الكاثوليك" قلما ينشطون للمشاركة في هذا الموضوع، الذي يكاد يكون حكرا للباحثين البروتستنتيين، وعلى الرغم من أن المطابع قد قذفت بكثير من المحاولات التي تتناول مسألة "الإصلاح" في الإسلام المعاصر، وعلى الرغم من أنه لا تبدو بوادر توقف أو تناقض في هذا السيل المنهمر يبدئ ويعيد القول في فكرة أو فكرتين بعبارات متباينة، إلا أننا ما زلنا نفتقد صياغة واضحة متلاحمة الأجزاء لهذه الأفكار فيما نشر، وبصرف النظر عما يخفيه هذا القناع في أعماق اللاشعور، فإن اقتراح "إصلاح" الإسلام إذا أخذناه بظاهره يمثل محاولة أخرى لتغيير وجهة نظر المسلم عن الإسلام ولجعل الإسلام أقرب بقدر الإمكان إلى المسيحية، أو إلى الصورة البروتستنتية إذا شئنا تعبيرا أفضل!
وإذا تركنا جانب المدنية والحضارة والثقافة، فإن للإسلام بالضرورة مجالين: العقيدة والشريعة, والأولى بالطبع محكمة جلية لأفهام العالم كله وليست معرضة لتغيير، أما شريعة الإسلام فهي مستمدة من الوحي ومن نصوص السنة التي وردت خلال التجربة البشرية للحكم، ومن هنا كانت هذه الشريعة منذ أيام الخلافة الأولى حتى وقتنا الحاضر معرضة للتفسير واختيار ما يلائم نظم الإدارة ويوافق الفن القانوني المعروف والتجربة. وما يقابل في الأيام الأخيرة التشريع المدني، فإين يريد دعاة "الإصلاح" أن