لهم مثل هذه العناية فهم يقفزون من الدراسة الوصفية إلى اقتراح العلاج وإصدار النبوءات عن المستقبل، ولا يستطيع الغريب على نظام ديني أن يتخلى عن أن يكون لطيفا, فهذه صفة أولية لا بد منها كي يتوقع من الناس أن يسمعوه أو يحترموه!
إن الإدراك الديني تجربة روحية حدسية intuitive ولا يمكن التقاطها بالمناهج التحليلية والنقدية، وهؤلاء الذين يكونون خارج نظام ديني لا يمكنهم اقتناص دلالة التجربة التي يمارسها من يعيشون داخل هذا النظام١. إنه شيء لا يمكن تعلمه من الكتب، ومن هنا كان الخلط في طبيعة أهداف "الإصلاح" المزعوم بين دعاته من غير المسلمين. ومن هنا كانت الصعوبة التي يواجهها من يعيشون داخل الجماعة الدينية في تفسير دينهم لمن يطلون عليهم من الخارج ويحاولون عبثا تقدير لحنها الأساسي في أغواره العاطفية والحدسية البعيدة، مما يغفل عنه المستشرقون الذين يستمدون, معرفتهم بالإسلام أساسا من الكتب.
وفي الحالات النادرة التي يناقش فيها هؤلاء معالم الإسلام مع علماء المسلمين أنفسهم فلما تكون النتيجة مرضية. فالمسلم يفترض أن المستشرق ينتهي إلى اتهامه بالجهل دون تبرير معقول! ثم إن هناك صعوبات اللغة نفسها، وقليل من المستشرقين من يستطيع إدارة مناقشة بالعربية "أو الفارسية أو التركية" أو المضي فيها. ولا يزال المسلمون الذين تمكنوا من لغة أوروبية يعانون نقصا، فإنهم قلما يستطيعون أن يبادروا المستشرق في استعارة الإشارات الثقافية اللماحة في تلك اللغة، فضلا عن النفاذ إلى تراثها الكلاسيكي والاستحواذ عليه واستعماله.
هذه بعض العقبات التي تجعل اقتراحات المستشرقين إما غير مقبولة أو سيئة الأثر، وبينما كان كاتب هذه السطور يجمع المادة اللازمة لدراسته
١ انظر مثلا P. Ferris.,The Church of England London ١٩٦٢ نقلا عن Observer Oct, ٧ ١٩٦٢ "إن الذي ينظر من الخارج متسائلا عن الكنيسة يأتيه الجواب غالبا بأنه لا يستطيع أن يفهمها ما لم يكن في داخلها, حتى وإن كانت تعتبر مثل هذه المحاولة من جانبه أحيانا تطاولا غير مستساغ. impertinent"