للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملل إلى اختراع الآلات القاتلة، وإتقان العلوم العسكرية، والتبحر فيما يلزمها من الفنون، كالطبيعة والكيمياء وجر الأثقال والهندسة وغيرها! ومن تأمل في آية: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ١ أيقن أن من صبغ بهذا الدين فقد صبغ بحب الغلبة، وطلب كل وسيلة إلى ما يسهل سبيلها، والسعي إليها بقدر الطاقة البشرية، فضلا عن الاعتصام بالمنعة والامتناع من تغلب غيره عليه! ومن لاحظ أن الشرع الإسلامي حرم المراهنة إلا في السباق والرماية، انكشف له مقدار رغبة الشارع في معرفة الفنون العسكرية والتمرين عليها ... "٢.

ونتيجة هذا التنقل بين البلدان في نفس "جمال الدين" مع المفارقات التي رآها في حياة المسلمين وحياة الغربيين: هي أن تكون دعوته إلى التعجيل بحياة إيجابية متكاملة داخل البلاد الإسلامية أقوى, أو على الأقل تسير جنبا إلى جنب مع الدعوة إلى مكافحة العيوب الجزئية الداخلية، وهي عيوب نشأت عن إهمال الإسلام بسبب ما تراكم عليه من غبار!!

كان جمال الدين الأفغاني -لهذا الاتصال المباشر بالغربيين- يضع أمام سامعيه "مثلا منظورا" من الحياة يريد أن يصل إليه المسلمون، ولكن عن طريق التمسك بإسلامهم الذي أودع في كتاب الله ... وليس عن طريق ذاك الذي شوهته العقول المغرضة وحرفته الألسنة الملتوية!!

بينما كان المثل الذي كان ينشده بن عبد الوهاب يعيش في تاريخ الماضي وهو حال المسلمين الأول، وهو كذلك "أمل وغاية" يقدم عليه التابعون للدعوة بدافع محض الاعتقاد والتصور المثالي، أكثر من دافع الحقيقة المشاهدة!

وعلى هذا النحو كان موقف الفريقين، جمال الدين من جانب، ومحمد بن عبد الوهاب والسنوسي الكبير من جانب آخر، في الدعوة إلى مقاومة النفوذ الخارجي اللاإسلامي.

- محمد بن عبد الوهاب، وعلى سنته محمد بن علي السنوسي الكبير، كلاهما يقف في تكتيل المسلمين ضد النفوذ الخارجي عن طريق استعراض أوصاف الكفر والإيمان في ذهن المسلم، وما يجب على المسلم اتباعه


١ الأنفال: ٦٠.
٢ مجموعة العروة الوثقى: ٦٤-٦٩.

<<  <   >  >>