للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن حركة جمال الدين الأفغاني هي في واقع الأمر امتداد للكفاح الإسلامي في تاريخ الجماعة الإسلامية، وليست حركة منعزلة عن غيرها ... إن أساسها كأساس أية حركة كفاحية إسلامية ماضية، وغايتها ذات الغاية لهذه الحركات جميعها.

لقد ركز الإسلام جهده في أول أمره وفي جماعته الأولى: لنشر دعوته.

ثم بعدما انتشرت هذه الدعوة، تحولت جهوده -في آخر عصر الأمويين لمكافحة "الزندقة" الشرقية التي هي من مخلفات العقائد السابقة في الشرق، والتي نفذت إلى الجماع الإسلامية في صورة أو أخرى. فنشأت مدرسة "الاعتزال" الكلامية، ثم نشأت على أثرها مدارس أخرى تعارضها، أو تحاول أو توفق بينها وبين اتجاه آخر في الجماعة الإسلامية.

وهنا ابتدأ الإسلام يكافح من أجل بقائه والحرص على سلامته، وليس من أجل انتشار دعوته، كما كان الحال في الجماعة الأولى وعلى عهد الرعيل الأول.

- ثم انتقل ثقل النشاط في عصر العباسيين لمعانقة الفكر الإغريقي أو مهاجمته؛ وهو دخيل على الجماعة الإسلامية. وبذلك استمر الوضع السابق في الكفاح، وهو الكفاح من أجل البقاء والسلامة الذاتية.

- ثم تحول هذا النشاط قبيل سقوط بغداد، وبعد سقوطها على يد التتار "٦٥٦هـ"، إلى مقاومة الاعتداء الخارجي المسلح -وليس الاعتداء الفكري- ممثلا في غارة الصليبيين من جانب، والتتار من جانب آخر. وفي الوقت نفسه اتجه جزء من هذا النشاط إلى مقاومة الضعف الداخلي الذي تمثل في أثر "الباطنية" وتعاليمها، وفي غلو "التصوف" في تصور صلة الله بالإنسان على نحو حلولي، كما يتضح عند ابن عربي والحلاج، وكان زعيم هذه المقاومة الخارجية والداخلية ابن تيمية، في القرن الرابع عشر الميلادي.. وكان الكفاح الإسلامي كذلك من أجل البقاء والسلامة الذاتية.

- إلى أن جاءت الحركة الوهابية فوضعت ثقل الكفاح على مقاومة الضعف الداخلي، وهو ضعف يستند إلى تعاليم الباطنية، وانحراف فريق من المتصوفة، ومع ذلك لم تغفل هذه الحركة مقاومة الهجوم الخارجي الذي بدت طلائعه في ضعف الخلافة العثمانية، تحت الضغط السياسي: الروسي القيصري المسيحي، والإنجليزي، والأوروبي بوجه عام.

<<  <   >  >>