للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا ردّ عليه تلميذه أبو عليّ الفارسيّ، فقال وهو يعنيه: ((وزعم بعض رواة اللّغة أنّ المُرُوءة مأخوذة من قولهم: هو حَسَنٌ في مَرآة العين. وهذا من فاحش الغلط، وذلك أنّ الميم في مرآة زائدة، ومُرُوءة: فُعُولة، فلو كانت من المَرآة لكانت: رُئِيَّة، ولكنّها مأخوذة من أحد شيئين: إمّا أن تكون فُعُولة من المَرْء، كالرّجولة من الرّجل، وإمّا أن تكون من مَراءة الطّعام؛ لأنّ الآخذ بها يهضم نفسه لها، فيكفّ عن كثير مما يرتكبه المُطَّرِح لها، قال أبو زيد: مَرُؤَ مُرُوءة، فدلّت (١) حكاية أبي زيد هذا على أنّ الميم فاء)) (٢) .

وأنكر الراغب الأصفهاني -أيضاً- أن تكون ((المُرُوءة)) مشتقّة من قولهم: حَسُنَ في مرآة العين، وقال: ((هذا غلط؛ لأنّ الميم في مرآة زائدة، ومُرُوءة فُعُولة)) (٣) .

الفصل الثّالث: أسباب الخلل في الجمهرة

وقفنا في الفصل السابق على ما في الجمهرة من خلل في الأصول واضطراب فيها، وهو كثير كما رأينا من خلال المباحث الستة. فما أسباب هذا الخلل والاضطراب؟

هل نساير السّيرافّي وابن جنّي ومن لفّ لفهما فنعزو هذا الخلل إلى ضعف ابن دريد في التّصريف؟ وإذا أخذنا بهذا الرّأي فكيف نُفسر ما يتبدّى لقارئ الجمهرة من براعة ابن دريد اللّغويّة، وحذقه في التّصريف في مواضع متفرّقة كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله: ((واستعمل الاعتياص، وهو الافتعال من قولهم: اعتاص يعتاص اعتياصاً، وهذه الألف أصلها ياء كأنه: اعتَيَصَ)) (٤) .

وقوله في مادّة (ل ت ت) : ((زعم قوم من أهل اللّغة أنّ اللاتَ التي تعبد في الجاهليّة صخرة كان عندها رجل يَلُتُّ السّويق وغيره للحاجّ، فلمّا مات عُبدت. ولا أدري ما صحّة ذلك؛ لأنّه لو كان كذلك كان يكون: اللاتّ: بتثقيل التّاء لأنّها تاءان)) (٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>