للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ جنّيٍّ: ((فإن قلتَ: فكانَ يجبُ على هذا أن يستضيفَ من يقولُ نَعُمَ مضارعَ من يقولُ نَعِمَ، فتُرَكَّبُ من هذا أيضاً لغةٌ ثالثةٌ؛ وهي: نَعُمَ يَنْعَمُ.

قيلَ: منعَ من هذا أنّ فَعُلَ لا يختلفُ مضارعُه أبداً، وليسَ كذلكَ نَعِمَ؛ لأنَّ نَعِمَ قد يأتي فيه يَنْعِمُ ويَنْعَمُ جميعاً، فاحتُملَ خلافُ مضارعِه، وفَعُلَ لا يحتملُ مضارعُه الخلافَ؛ ألا تراكَ كيفَ تحذفُ فاءَ وَعَدَ في يَعِدُ؛ لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ، وأنتَ معَ ذلكَ تُصَحِّحُ نحوَ وَضُؤَ ووَطُؤَ إذا قلتَ: يوضُؤُ ويوطؤُ، وإن وقعتِ الواوُ بينَ ياءٍ وضمَّةٍ، ومعلومٌ أنّ الضمّةَ أثقلُ من الكسرةِ، لكنّه لمّا كانَ مضارعُ فَعُلَ لا يجيءُ مختلفاً لم يحذفوا فاءَ وَضُؤَ ولا وَطُؤَ ولا وَضُعَ؛ لئلا يختلفَ بابٌ ليسَ من عادتِه أن يجيءَ مختلفاً)) (١) .

ولابن جِنّيٍّ أيضاً وجهٌ آخرُ في تخريجٍ نَعِمَ يَنْعُمُ؛ وهو أن يكونَ للقبيلةِ الواحدةِ أو الحيِّ الواحدِ لغتانِ نَعِمَ يَنْعَمُ ونَعُمَ يَنْعُمُ، فيُسمَعُ منهم ماضي إحداهما ومضارعُ الأخرى (٢) .

وقد عدَّها بعضُ اللغويينَ في الشواذِ؛ منهمم ابنُ قتيبةَ (٣) ، وابنُ عصفور (٤) .


(١) الخصائص ١ / ٣٧٨.
(٢) انظر: المنصف ١ / ٢٥٧، وثمة فرق بين التداخل، وهو أحد رأيي ابن جنّي، وهذا الرأي الثاني، إذ يريد هنا أنّ القبيلة الواحدة قد اجتمعت لها في نعم لغتان ثنتان، فيتفق أن يسمع منها تتكلم بماضي إحدى لغتيها مع مضارع لغتها الثانية، وهذا لا يكون تداخلاً لأنها تتكلم باللغتين، والتداخل يصدق عليها فيما لو انفردت لها لغة واحدة، فنطق ناطق بماضي لغته مع مضارع لغة أخرى.
(٣) انظر: الاقتضاب ٢ / ٢٥٢.
(٤) انظر: الممتع ١ / ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>