للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الدكتور طه حسين فيرى أن اضطراب نفس الحطيئة وغربته إنما حدث له في الإسلام لا في العصر الجاهلي ويعلل ذلك بقوله ((يأس الحطيئة وحزنه لم يكونا فيما أرى مقصورين على حياته المادية، بل كانا يأتيانه من ناحتين أخريين: كانا يأتيانه من دخيلة نفسه التي لم تطمئن إلى الدين الجديد، ولم تؤمن به فيما يظهر إلا تكلفاً ورياء، واتقاء للسيف الذي لم يكن للعربي إلا أن يختار بينه وبين الإسلام، فنفس الحطيئة لم تكن ساخطة على حياته المادية وحدها، بل كانت ساخطة على حياته المعنوية أيضاً، كانت ساخطة على هذه الحياة التي حالت بين عواطفه الجاهلية، وبين أن تظهر وتنمو وتؤتي ثمرها كما يجب أن تؤتيه، وتذوق لذات الحياة وآلامها كما كان يحب أن يذوقها. والناحية الأخرى هي ناحية جسمه، فقد كان الحطيئة قصيراً جداً، قريبا من الأرض، ولهذا سمي الحطئية كما يقول الرواة، وكان دميماً قبيح المنظر مشوه الخلق لا تأخذه العين، ولا تطمئن إليه، فكان منظره بشعاً، وكان من غير شك يحس اقتحام الأعين له ونبوها عنه، فيسوءه ذلك ويؤذيه، أضف إلى هذا كله أنه لم يكن مستقر النسب، وإنما كان مدخولاً مضطرباً، ينتسب هنا وينتسب هناك، وكان العرب يعرفون منه ذلك ويذكرونه به، ويزدرونه من أجله، فكان الحطيئة مهاجماً من جميع نواحيه، مضطراً إلى أن يدافع عن نفسه من جميع نواحيه أيضاً، كان سيىء الدين، فكان محتاجاً إلى أن يتقى عواقب سوء الدين، كان سيئ الحال، فكان محتاجاً إلى أن يرد عن نفسه عوادي الفقر والبؤس والإعدام. كان مشوه الخلق، فكان مضطراً إلى أن يحمي نفسه من السخرية والاستهزاء، وكان كل شيء يقوي في نفسه سوء الظن بالناس، وقبح الرأي فيهم، وكان ابتلاؤه للناس يزيده إسراعاً إلى ذلك وإمعاناً فيه، فأصبح الحطيئة شيئاً مخوفاً مهيباً يكره منظره، ويتقي لسانه، ويشتري الأعراض منه بالأموال ... كان الحطيئة بائساً شقياً، غريباً في

<<  <  ج: ص:  >  >>