للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الطور الجديد من أطوار الحياة العربية، كأنما ارتحل العصر الجاهلي ونسيه وحيداً في العصر الإسلامي، فهو ضائع الرشد، ضائع الصواب، قد فقد محوره إن صح هذا التعبير. ولي على هذا دليلان. أحدهما: أن أكثر ما يروى عن الحطيئة من النوادر وغريب الأحاديث إنما يروى عنه في الإسلام لا في العصر الجاهلي، فما بقي لنا من أخباره في العصر الجاهلي لا يصوره شاذاً ولا غريباً ولا مضطرب النفس، إنما اضطربت نفسه في الإسلام، لأن سماحة هذا الدين لم تمس قلبه الجاهلي العريق في جاهليته. والآخر أن أكثر ما يروى من النوادر عن الحطيئة، لو حاولنا تاريخه، يكاد يرجع إلى أيام عمر وأوائل أيام عثمان، أي إلى هذا العصر الإسلامي الخالص الذي سيطر النظام الإسلامي الدقيق فيه على حياة العرب من جميع وجوهها. فلما تقدمت أيام عثمان، وأقبلت أيام معاوية وظهر من سادة قريش وشبابها من عادوا إلى شيء من حياة فيها غير قليل من بقايا الحياة الجاهلية، اطمأنت نفس الحطيئة بعض الشيء، ولعلها ابتسمت للحياة قليلاً، فقد اتصل الحطيئة بالوليد بن عقبة بن أبي معيط عامل عثمان على الكوفة، وكان الوليد سيداً من سادات قريش، لم تكد الفرصة تمكنه حتى استأنف حياة أقل ما توصف به أنها لم ترض المسلمين، وأنها حملت عثمان على عزله عن الكوفة، بل على أن يقيم عليه حد الشراب، فيما تحدث الرواة)) (٣٨) .

لقد أجمع الرواة على وصف الحطيئة بأن كان رقيق الإسلام، وربما لحقته هذه التهمة لأسباب من أهمها:

شعره في الردة، فتنسب إليه أبيات يحرض فيها قبائل العرب على قتال المسلمين. كما يهزأ فيها من خلافة أبي بكر، ويهجو القبائل التي تمسكت بإسلامها (٣٩) .

مدحه لخارجة بن حصن وقومه حينما ارتدوا عن الإسلام، ومنعوا الزكاة وقاتلوا المسلمين (٤٠) .

حنينه إلى الجاهلية ويظهر ذلك جلياً في مديحه لشبث بن حَوْط (٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>