للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غلبة شعر الهجاء عليه، ولشدة وقع هجائه كان يخشاه الناس. كما أن معظم شعره يعكس صورة الأخلاق والعادات والتقاليد الجاهلية (٤٢) .

مجون الحطيئة ويعبر عن ذلك سخريته واستخفافه بشرائع الإسلام وأوامره. ويعكس ذلك شعره في حادثة سكر الوليد بن عقبة، ووصيته إن صحت، فقد أوصى بماله للذكور دون الإناث ‍! فقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا! فقال: لكني آمر به. ومع أننا لا نستبعد أن الرواة قد تصرفوا وزادوا في هذه الرواية، إلا أن أصلها يظل شاهداً على استهتار الحطيئة ومجونه (٤٣) .

ولا تختلف نظرة الدارسين المحدثين عن نظرة القدامى، فالكل يصف الحطيئة بضعف العقيدة ورقة الإسلام. فطه حسين يرى أن الحطيئة ((اتخذ لنفسه من الإسلام رداء، لم يشك الرواة في أنه كان رقيقاً جداً يشف عما تحته من حب الجاهلية وإيثارها والحزن الشديد عليها)) (٤٤) .

ويلخص درويش الجندي موقف شعراء البادية من الدعوة الإسلامية فيقول:

((كانوا يقفون موقف الحياد والتربص، وكانوا يخشون انتصار هذه الدعوة التي تعمل على دك الصروح الجاهلية وتغيير قيمها ومثلها التي كانوا يعيشون في ظلالها بالتكسب بالشعر مدحاً وهجاء، وليس ذلك من وسائل الكسب المشروع في الإسلام، فلما كان ما يخشون من انتصار هذه الدعوة اضطروا إلى الدخول فيما دخل فيه الناس من دعوة الإسلام، ومنهم من اطمأن قلبه بالإيمان ككعب بن زهير، ومنهم من كان ضعيف العقيدة رقيق الدين كالحطيئة الذي ما كادت حروب الردة تشعل نيرانها حتى خلع ربقة الدين معاديا للإسلام بقلبه ولسانه، فلما استقرت الدعوة من جديد دخل في الإسلام مرة أخرى وحاول في ظلال الإسلام أن يسلك وسيلته الجاهلية في العيش، فتقلبت به الأحوال بين النجاح والإخفاق)) (٤٥) .

ويشير الدكتور الجبوري إلى المعاني الإسلامية في شعر الحطيئة، فيرى أنها لا تعني أن الحطيئة كان ذا حظ من الدين والورع (٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>