للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عصر الراشدين حال الخلفاء بين الشعراء وبين نزعاتهم وأهوائهم. فقد وجهوا الشعر وجعلوه في خدمة الدعوة وعارضوا أي شعر فيه خروج على فرائض الدين وشرائعه. وتكاد الروايات تجمع على أن الخلفاء لم يتسامحوا مع الشعراء الذين حاولوا الخروج على تعاليم الإسلام، فقد تعقبوهم وحاسبوهم، وضربوا على أيدي العابثين منهم، وألزموهم سلوك جادة الصواب والحق، نفروهم من فاحش القول ومن رفثه، ومن شعر الهجاء والتشبيب، وقد بلغ الأمر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عزل عامله على ميسان النعمان ابن عدي لأبيات قالها ذكر فيها الخمرة ووصف فيها مجالس اللهو والطرب (٥٥) وتقدم إلى الشعراء بأن لا يُشَبب رجل بامرة إلا جُلِدَ (٥٦) وأنكر على عبد بني الحسحاس صراحته في غزله ومجاهرته بالحب الجسدي مما ينافي الحياء العام وقال له: حينما سمعه ينشد بعض شعره ((إنك ويلك مقتول)) (٥٧) وغَّرب أبا محجن لأنه جاهر بشرب الخمرة على الرغم من شعوره بالإثم في تعاطيها (٥٨) وسجن الحطيئة لهجائه على الرغم من أن الحطيئة لم يقذع في هجاء الزبرقان، بل مسه برفق وعمد إلى التهكم والسخرية حينما قصر به عن بلوغ بعض المكرمات (٥٩) وأنَّب حسان بن ثابت رضي الله عنه ووبخه حينما سمعه ينشد في مسجد رسول الله (ما كان يقول أيام الصراع بين المسلمين والمشركين (٦٠) ، كما نهى أن ينشد الناس شيئاً من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحي والميت، وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإسلام (٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>