للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتزامنت شهرة الحطيئة مع ظهور الإسلام، ولم تكن له به قدم راسخة، فقد اتصل بالحياة الإسلامية متأخراً، وكان أثر الدين في شعره خافتاً ضعيفاً، وامتدت به الحياة إلى عصر الراشدين، وظل ينظم شعره كما كان أسلافه يفعلون في الجاهلية يمدح السادات ويهجوهم، ويثير العداوات والنعرات وكان حريصاً على العادات الجاهلية ولم يلتزم بالعادات الإسلامية التي كان الخلفاء يحرصون على غرسها في نفوس الشعراء. ولعل هذا كان من أقوى الأسباب التي جعلت الإخباريين يضيفون إليه أخباراً فيها قدر كبير من المبالغة والتزيد، ويتناقلونها دون تمحيص. لهذا يبدو أن الحطيئة كان ضحية لتلك الروايات التي جعلت منه إنساناً شريراً يخشاه الناس ويتقون شره.

وعلى الرغم من كل تلك الروايات التي تتهم الحطيئة برقة الدين، ولؤم الطبع، والبخل، ودناءة النفس. نقف له على شعر يكشف فيه عن نفس تواقة إلى التوبة، لا ترى السعادة بجمع المال ومتاع الدنيا، إنما السعادة الحقيقية في التقوى والعمل الصالح (٥٢) كما أن من يطالع شعره يقف له على أبيات تصوره إنساناً رقيق القلب عطوفاً على امرأته وبنيه وبناته (٥٣) كما أن هذا الشاعر الذي غلب عليه الهجاء، كان فيه على الرغم من كل ما يروى عنه نوازع كريمة. فقد كان يثني على من يحسن إليه، ويعترف بفضله ولا ينكره، ولهذا امتنع عن هجاء أوس بن حارثة الطائي حينما دعي إلى ذلك (٥٤) . هذه الصور عن شخصية الحطيئة والتي لا تخلو من الملامح المتناقضة، تدفعنا إلى تصحيح تلك الأحكام التي أطلقت عليه وتجعلنا نحذر الانسياق وراء الأخبار التي حشدها الرواة وتناقلوها عن أخلاقه وطباعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>