للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه" (١).

فتأمل كمال الموافقة في الكراهة كيف اقتضى كراهة الرب تعالى لمساءة عبده بالموت لما كره العبد مساخط ربه، وكمال الموافقة كيف اقتضى موافقته في قضاء حوائجه وإجابة طلباته وإعاذته مما استعاذ به، كما قالت عائشة للنبي : "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" (٢).

وتأمل "الباء" في قوله "فبي يسمع وبي، يبصر وبي يبطش وبي يمشي" كيف تجدها مبينة لمعنى قوله "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به … الخ" فإن سمع سمع بالله، وإن أبصر أبصر به، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به، وهذا تحقيق قوله تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل] وقوله تعالى: ﴿وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت] وقوله تعالى: ﴿وأنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال].

وتأمل كذلك كيف جعل محبته لعبده متعلقة بأداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل بعدها لا غير، وفي هذا تعزية لمدعي محبته بدون ذلك أنه ليس من أهلها، وإنما معه الأماني الباطلة والدعاوي الكاذبة (٣).

ومما يناله العبد كذلك من محبة الله له محبة من في السماء له ووضع القبول له في أهل الأرض.

فعن أبي هريرة أن رسول قال: "إذا أحب الله العبد


(١) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع برقم (٦٥٠٢).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب باب (٧). فتح الباري (٨/ ٥٢٤ - ٥٢٥) (ح ٤٧٨٨)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب القسم بين الزوجات (٤/ ١٧٤).
(٣) روضة المحبين (ص ٤١١).

<<  <   >  >>