للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التنبيه عليه ههنا مرة أخرى أنه لا يكفي مجرد دعوى محبة الله ومحبة النبي باللسان فقط بل لابد من تحقيق المتابعة له، وكل ما يوصل إلى تحقيق المحبة، فمرافقة النبي في الجنة لابد أن يصاحبها اجتهاد ممن يطلبها، وإن كان ليس من شرط ذلك الاجتهاد في الطاعة أن يصل إلى درجة اجتهاد النبي ومما يشهد لهذا ويؤكده ما ورد في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي (١) أنه قال: كنت أبيت عند النبي فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: "سل".

فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: "أو غير ذلك؟ ". قلت: هو ذاك. قال: "فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود" (٢).

فطلب النبي من الصحابي الذي سأل مرافقته في الجنة أن يكثر من صلاة النافلة، وفي هذا دليل على أن العمل مطلوب ممن أراد أن يصل إلى هذه الأمنية العظيمة وأن مجرد تمني القلب وقول اللسان لا يكفي لتحقيق ذلك.

ومما يؤكد أن نوال شرف مرافقة النبي في الجنة متعلق باتباع شريعته وطاعته، قوله تعالى: ﴿ومَن يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء]. ومن الثواب الأخروي الذي يناله المحب لله ولرسوله هو غفران الذنوب وهذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١].

فأخبر سبحانه في هذه الآية عن مغفرته لذنوب الذين حققوا محبته ومحبة نبيه على الوجه المطلوب منهم، وهذه منة امتن الله بها على أهل


(١) رببعة بن كعب بن مالك الأسلمي، صحابي، كان من أهل الصفة مات سنة ثلاث وستين من الهجرة. الإصابة (١/ ٤٩٨)
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه (٢/ ٥٢).

<<  <   >  >>