للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملائكة أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه، ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء، الخالق الرازق المعطي المانع؟ وحسبك - في هذه الآية - موعظة؛ فإن هذا سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ [يونس: ٤٩]؛ فكيف يملكه لغيره؟ وكيف يملكه غيره - ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته - لنفسه فضلا عن أن يملكه لغيره؟ فيا عجبا القوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله ﷿، كيف لا يتيقظون لما وقعوا به من الشرك، ولا ينتبهون إما حل بهم من المخالفة لمعنى: (لا إله إلا الله)، ومدلول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾؟! وأعجب من هذا اطلاع بعض أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها؛ فإن أولئك يعترفون بأن الله - سبحانه هو الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله ومقربين إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع، وينادونهم - تارة - على الاستقلال وتارة مع ذي الجلال، وكفاك من شر سماعه، والله ناصر دينه ومظهر شريعته من أوضار الشرك وأدناس الكفر، ولقد تول الشيطان - أخزاه الله - بهذه الذريعة إلى ما تقر به عينه وينثلج به صدره من كفر كثير من هذه الأمة المباركة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، إنا لله وإنا إليه راجعون" (١).

هذا، والقرآن الكريم تضمن العديد من الآيات الناهية عن الدعاء بجلب الخير، والسؤال لكشف الضر أو تحويله، إلا من الله تعالى الذي دعانا إلى طلبه منه والتوجه إليه مباشرة دون واسطة، قال تعالى: ﴿ادْعُونِي


(١) (فتح البيان) للقنوجي (٤/ ٢٢٥).

<<  <   >  >>