للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجة؟ " قلنا: بلى. قال: "فأي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير أسمه، قال: "أليس البلدة؟ " قلنا بلى. قال "فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟ " قلنا بلى … " الحديث (١).

فهذه صورة من الأدب، ومن التحرج، ومن التقوى التي انتهى إليها الصحابة بعد سماعهم ذلك النداء، وذلك التوجيه، وتلك الإشارة إلى التقوى تقوى الله السميع العليم.

ثانيا: أنه حرم رفع الصوت فوق صوت النبي وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل، وهذا من باب الأدب مع النبي في الحديث والخطاب ومن التوقير الذي يجب له، ذلك التوقير الذي ينعكس على نبرات أصوات الصحابة ليتميز بذلك شخص الرسول بينهم ويميز مجلسه فيهم فقال تعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات].

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "هذا أدب ثان أدَّب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي فوق صوته، وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر ".

فعن ابن أبي مليكة (٢) قال: " كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حجة الوداع واللفظ له. انظر فتح الباري (٨/ ١٠٨) (ح ٤٤٠٦).
(٢) عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، تابعي ثقة، كان قاضيًا لابن الزبير ومؤذنًا له. مات سنة (١٧ هـ) وقيل (١٨ هـ) تهذيب التهذيب (٥/ ٣٠٦ - ٣٠٧).

<<  <   >  >>