للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رزق الله ورحمته، ولا أنهم يملكون التصرف في خزائن الله، ولا أنهم يعلمون الغيب، ولا أنهم ملائكة، وإنما هم بشر ممن خلق، يوحى إليهم منن الله تعالى، شرفهم الله بالوحي الذي يتبعونه ولا يخرجون عنه، وأنعم عليهم بالمكارم والفضائل والكمالات، وعصمهم من الرذائل والنقائص والمعايب، وأكرمهم بالرسالة أو النبوة لهداية الخلق إلى الحق وإقامة الحجة عليهم، وأيدهم بالآيات البينات والمعجزات الباهرات وخوارق العادات الدالة على صدقهم؛ حتى لا يبقى عذر لأحد في تكذيبهم والخروج عن طاعتهم؛ وليس للرسل والأنبياء أي تصرف مع الله في الكون؛ لذلك كانوا إذا سئلوا الآيات المعجزات الخارقة للعادة؛ ردوا الأمر إلى الله، ونفوا أن تكون لهم قدرة على الإتيان بها إلا بإذن الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ١١]؛ فيظهر الله - على أيديهم - الآيات تأييد لهم وتخويفا لأقوامهم وقطعة لمشاغبتهم؛ فيخضع لها بعضهم ويستمر الأكثرون على العناد، فما من نبي من الأنبياء إلا وقد أعطاه الله من الآيات والمعجزات ما يمثله - في وضوحه وظهوره والعجز عن معارضته - ما يؤمن عليه العباد ويتفقون عليه لولا ما يصدهم عنه من العناد، وهو معنى قوله: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر" (١) (٢)؛ ولهذا أمر الله تعالى نبيه أن يبرأ من دعوى هذه المحاور الثلاثة من العلم والقدرة والغني، التي ترجع إليها المعجزان بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا


(١) أخرجه البخاري في كتاب "فضائل القرآن" باب: كيف نزل الوحي، وأول ما نزل برقم (٤٩٨١)، ومسلم في "الإيمان" باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته برقم (١٥٢)، من حديث أبي هريرة .
(٢) "مجالس التذكير من حديث البشير النذير" لابن باديس (٣٣ - ٣٤).

<<  <   >  >>