للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٥٠]. قال ابن تيمية و ما نصه: "فأمره أن يخبر أنه لا يعلم الغيب، ولا يملك خزائن الله، ولا هو ملك غني عن الأكل والمال، إن هو إلا متبع لما أوحي إليه، واتباع ما أوحي إليه هو الدين، وهو طاعة الله وعباده علما وعملا بالباطن والظاهر، وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله تعالى: فيعلم منه ما علمه إياه، ويقدر منه على ما أقدره الله عليه، ويستغني عما أغناه الله عنه من الأمور المخالفة للعادة المطردة أو لعادة غالب الناس" (١).

ومن هنا يظهر - جليا - أن حياة أنبياء الله ورسله - صلوات الله وسلامه عليهم - لم تكن مبنية على تغييب حقيقتهم البشرية، أو رفع أنفسهم إلى مقام الربوبية، أو ادعاء خصائص الألوهية، أو إرادة تلبيس بين حق الله الخالص وحق أنبيائه الكرام ، كلا، إنما كانت حياتهم مليئة بالصلة بالله، وعامرة بالعلم النافع، والعمل الصالح، والقوة في العبادة، والمسارعة في الخيرات، والبصيرة النافذة في الدين؛ حتى بلغوا الغاية في العبودية والسمو الروحي، يهدون الناس إلى الله، ويبلغون دينه وشرعه، ويدعون إلى الهدى ودين الحق، ويتنافسون في القرب من ربهم، ويبذلون ما في وسعهم من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله بجد واجتهاد، يرجون - بأعمالهم الصالحة ومحبتهم الصادقة - رحمته، ويخافون - بمخالفتهم لأمره - عذابه، ويخشون - بقصورهم عن أداء حقه - عقوبته وانتقامه؛ لعلمهم بقوة الله وعظيم سلطانه، وأن عذابه أليم شديد، شأنه أن يتقى ويُحذر، قال الله تعالى عن أهل اصطفائه واجتبائه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء]، وقال تعالى:


(١) "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (١١/ ٣١٣)، وانظر: "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز (٥٥٨).

<<  <   >  >>