للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يتضح لنا أن الأمة كانت على شريعة واحدة؛ التي هي التوحيد الخالص، ثم طرأ الشرك عليها (١).

وإليك التدرج الذي فعله الشيطان مع بني الإنسان لإخراج الناس من عبادة الله وحده إلى الشرك به وعبادة غيره، وهو مأخوذ من تفسير قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح]، حيث إن هؤلاء الخمسة كانوا عبادًا صالحين، فلما ماتوا، أوحى الشيطان إلى قومهم؛ أن انجبوا لهم أنصابًا، وسموها بأسمائهم، واعكفوا عليها لتتذكروهم، وتقتدوا بأعمالهم الصالحة، فلما ذهب هذا الجيل، وأتي من بعدهم، أوحي إليهم الشيطان: إن أسلافكم كانوا يعبدونهم، فافعلوا كما كانوا يفعلون، ففعلوا؛ فوقع الشرك في بني آدم من طريق الغلو في الصالحين، ومن ثم أرسل الله جل وعلا نوح ليدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك الشرك، فلم يستجيبوا له إلا قليل منهم.

ويتضح هذا المعنى بذكر الآثار الواردة في تفسير الآية المتقدم ذكرها من سورة نوح ، وإليك بعضا منها:

عن ابن عباس ، قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلم، عُبدت" (٢).

وما روى ابن جرير بإسناده عن محمد بن قيس، قال: كانوا قوم صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدرون بهم، فلما ماتوا


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٢/ ٤٣٧، ٨/ ٢٨٥، ٢٠/ ١٠٦، ١٠٧) بتصرف.
(٢) "صحيح البخاري"، كتاب التفسير، تفسير سورة نوح، باب ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق. "الفتح" (٨/ ٥٣٥)، حديث رقم (٤٩٢٠).

<<  <   >  >>