للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنبياء فجعلتموه إلها من دون الله وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديما … " (١).

والمتأمل للنصوص القرآنية يجد أن النصارى لم يكتفوا بالغلو في المسيح ورفعه إلى درجة الألوهية بل غلوا أيضا في حق أحبارهم ورهبانهم فأعطوهم حق التشريع والطاعة المطلقة والإتباع حتى فيما يخالف شرع الله وأحكامه. فكان الأحبار والرهبان يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله ويقررون شرائع وأحكامًا ما أنزل الله بها من سلطان فتلقى النصارى ذلك كله بالقبول والطاعة.

قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ والمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وما أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا واحِدًا لا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة] فهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا، ولهذا قال تعالى: ﴿وما أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا واحِدًا﴾ أي الذي إذا حرم شيئا فهو الحرام وما حلله فهو الحلال وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ ﴿لا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة] أي تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد والأنداد والأولاد لا إله إلا هو ولا رب سواه" (٢).

ولم يقتصر غلو النصارى عند الحد، بل قدسوهم أمواتًا كما قدسوهم أحياءً فأقاموا على قبورهم الأضرحة وقدموا لهم القرابين فكان ذلك سببا في لعنهم قال "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (٣).


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ٨٢).
(٢) تفسير ابن كثير (٢/ ٣٤٩).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور برقم (١٣٣٠)، ومسلم في كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور … برقم (٥٢٩).

<<  <   >  >>