للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب قول النبي لهذه العبارة أن النبي قال لابن عباس غداة العقبة وهو على ناقته "القط لي حصى"، فلقطت له سبع حصيات مثل حصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: أيها الناس إياكم والغلو في الدين … " الحديث.

فسبب ورود الحديث ينبهنا إلى أمر هام جدا وهو أن الغلو قد يبدأ بشيء صغير ثم تتسع دائرته فتهلك بذلك أمم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيه فالغلو فيه: مثل رمي الحجارة ونحو ذلك، بناء على أنه بالغ في الحصى الصغار، ثم علل ذلك بأن ما أهلك من كان قبلنا إلا الغلو في الدين كما تراه في النصارى (١).

ولو لم يرد في السنة إلا هذا الحديث لكفى به زاجرا ورادعا للأمة عن الوقوع في الغلو، كيف والسنة مليئة بالأحاديث التي تحذر من الغلو وتبين خطره وهلاكه.

فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "هلك المتنطعون": قالها ثلاثًا (٢).

قال النووي: ["هلك المتنطعون": أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم] (٣).

وقال أيضا: "المتنطعون: المتعمِّقون المشدِّدون في غير موضع التشديد" (٤)، فهذا الحديث موافق لما جاء في الحديث السابق من الإخبار بهلاك أصحاب الغلو. وهناك أحاديث كثيرة نهي فيها النبي


(١) اقتضاء الصراط المستقيم (ص ١٠٦).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون (٨/ ٥٨).
(٣) شرح النووي (١٦/ ٢٢٠).
(٤) رياض الصالحين باب الاقتصاد في الطاعة (ص ٨٨).

<<  <   >  >>